في حذاء السندريلا ..!
“عندنا صناعات وطنية، أناشيد وطنية، أحذية وطنية .. ولكن ليس عندنا وطن” .. محمد الماغوط!
عثر أحد رجال الشرطة على مسطول يترنح حول عمود الإنارة في زقاق الحي، فدار بينهما الحوار الآتي: هيه أنت .. ماذا تفعل؟! .. أبحث عن مفتاح بيتي الذي وقع مني في طرف الحي .. ولماذا لا تبحث عنه في مكان وقوعه؟! .. عذراً يا سيدي ولكن في طرف الحي لا يوجد عمود إنارة ..!
منتظر الزيدي ـ الصحفي العراقي الذي قذف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحذائه في أثناء مؤتمر صحفي قبل أعوام خلت، شد الرحال بعد الإفراج عنه للترويج لحملته من أجل ضحايا الحرب في العراق، فيمم وجهه – أيضاً – شطر باريس، عاصمة النور، وترك مفتاح الحلول حيث هو، قابعاً في ظلام بغداد ..!
الذيت تابعوا أخبار منتظر جيداً يذكرون أن البطل الذي حوله العراقيون إلى قائد وطني ـ يعرض عليه وجهاء القوم تزوجيه ببناتهم، ويطلق البسطاء اسمه الأشهر على مواليدهم الجدد – قد تم رشقه في باريس بحذاء مواطن عراقي آخر، أعلن تأييده للوجود الأمريكي بالعراق ..!
بمجهود أقل من الذي بذله الرئيس الأمريكي الأسبق لتفادي فردتي حذائه، تفادى منتظر حذاء مواطنه، متفوقاً على بوش ـ هذه المرة ـ في إطلاق الدعابات .. (لقد سرق الرجل أسلوبي)، قالها بابتسامة سينمائية، وعلى طريقة مشاهير السياسة ونجوم الفن ..!
في تقديري كان للبعد البطولي في واقعة حذاء الصحافي العراقي أن يبقى طويلاً، إذا لم يتعامل هو – فيما بعد ذلك – على أساس كونه بطلاً، بمعنى: لو بقي موقفه من الوجود الأمريكي في بلاده واعتراضه المبرر، وانفلات أعصابه المتمثل في رشقة حذاء وطنية لمحتل جائر ـ لو بقى هذا الموقف ـ على ما كان عليه من العفوية، ولو ظل رهين لحظته البكر، لبقي الفاعل بطلاً في أذهان الناس ..!
كان يمكن لموقف منتظر أن يحتمل تفهم البعض، ورفض البعض الآخر، على نحو لا يفسد قضية الود مع غضبة مواطن غيور فقد أعصابه في لحظة هوان، لكن الذي أفسدها بالطبع هو أن رشق السياسيين في أثناء المؤتمرات الصحفية بالأحذية قد تحول بعد ذلك – وبفضل الاحتفاء الإعلامي والطرق المتواصل – إلى مبرر للجلوس على منصات مؤتمرات مماثلة، وتوزيع الابتسامات الدبلوماسية المدروسة ..!
هذا البعد الهتافي والاحتفائي في قضية منتظر، يعيدنا ـ لا محالة ـ إلى نكتة قديمة أخرى، (أعجب إمام المسجد يوماً بصلاة أحد المرائين، لما رآه عليه من خشوع وإطالة في السجود، فاقترب منه وأثنى على صلاته ثناءاً عظيماً، فعاجله المرائي قائلاً: “الحالة بلا وضوء، وكمان صايم”) ..!
والآن صحح لي إذا أخطأت! .. حالة من التماهي المحلِّي مع منطق المسطول، وصلاة المُرائي، حدثت في بلادنا، قبل بضعة أيام، عندما أعلنت مواطنة سودانية – عبر حوار ذو طابع احتفائي تم نشره في إحدى صحفنا الغراء – عن سعادتها الأكيدة بموقفها البطولي (قذفت مسئولاً سياسياً بحذائها – في أثناء مؤتمر صحفي – لأنه كان يكذب) .. !
هناك فرق – الرأي العام
( أرشيف الكاتبة )