كهرباء وماء وبالعكس
وحمل (مين شيت) يوميتنا هذه ليوم أمس جملة غريبة ومرتبكة (انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي بالبلاد)، ولأنني لا أحب هذه المجانية التي نستخدم بها كلمة (مفاجئ) إلى حد أنني راكمت تجاهها حساسية مُفرطة (سلبية)، فصرت كلما قرأتها أو سمعتها أتحسس (مسدسي)، قررت أن ابتدر عمودي بهذا النقد الذاتي، فنحن في الصحافة لسنا منزهين من الاستخدام غير الرشيد للعبارات والكلمات، لكن بما لا يُقارن بالسياسيين وكثير من الأكاديميين.
قطعاً لم يكن انقطاع التيار الكهربائي في معظم مدن البلاد أمس، أمراً مفاجئاً، لكن التعبير خوّان أحياناً. والراصد لإدارة الإمداد الكهربائي (كل صيف) لن يخطئ، ولن يضل أبداً إذا ما توقع حدوث مثل هذا الانقطاع وأسوأ منه.
كيف يكون مفاجئاً وأداء شركة توزيع الكهرباء يصل أسافل الحضيض صيفاً ويرتفع شتاءً ليس لعبقرية الهيئة، وإنما لانخفاض الاستهلاك الذي يفرضه المناخ البارد، هذه ناحية، أما الأخرى التي تتبدى في تبرير الحاق صفة مفاجئ بالانقطاع بأنه لم يكن معلناً، فهذا مردود عليه، إذ أن الهيئة لا تعلن – في معظم الأحول – عملاءها (المغلوب على أمرهم) بأنها تعتزم قطع الإمداد عنهم.
أمر آخر، غاية في الأهمية، وهو أن (نُذر) هذا الانقطاع ظلت – كالعادة – ومنذ حلول الصيف تلوح كـ (باقي الوشم في ظاهر اليد)، وبالتالي كان الأمر متوقعاً، بل المفاجأة كانت (ستكون) إن لم يحدث.
هيئة الكهرباء، ينبغي أن تُنتقد، وأن لا يُبرر لأدائها الذي يتسم بالضعف والكسل. دعكم عن ما حدث يوم أمس من غياب تام، فحتى في الأحوال العادية حال استقرار الإمداد، فإن (الهيئة) التي تحصل على قيمة خدمتها مقدماً مضافاً إليها قيمة خدمة شقيقتها بـ (الرضاعة) هيئة المياه، تتخاذل عن بلاغات عملائها وتتثاقل خطواتها عنهم إذا ما طلبوا منها النجدة لإصلاح عطب ما. كل هذه المعطيات تشير بوضوح إلى أننا موعودون بانقطاع متكرر (جزئي وعام)، إلى أن يرحل عنا فصل الصيف. لأن الخلل الرئيس ليس في ما يصيب مواعين نقل الكهرباء من أعطاب تقنية، فهذا أمر طبيعي ومقدور عليه، وإنما الخلل في إدارة هذه الخدمة الحيوية والمهمة بكفاءة. وهذا ما نوهنا له كثيراً في هذه المساحة، وشددنا على أن الطامة الكبرى في التي حاقت بكافة مؤسسات الدولة ناجمة عن تردي الخدمة المدنية وانحطاطها، إذ صار معيار الالتحاق بها أقرب إلى معيار (الولاء والبراء) منه إلى الكفاءة والخبرة والنزاهة، وبالتالي لن يحدث أي تطور في الجانب ما لم تحل تلك الإدارة عن (سلوك الكهرباء).