حتى لا يختم الخضر عهده بقرار ظالم
ما أن أطالع خبراً من مصادر حكومية يستخدم عبارة (دراسة اوضاع) – لأي شيء- فإن هذا يعني عندي أن هناك قرارا معدا وربما جاهزا أو اتجاها محددا لتصفية هذا (الشيء)، تماماً.. فليست هناك لجان فنية تقوم بعمل دراسة لأي مشروع أو فكرة أو حالة من الحالات في بلادنا والشواهد كثيرة.. وأعني الدراسة بمعناها الحقيقي معنى التخطيط المسبق والتحليل واستكمال كل جوانب البحث حول الخطط والمشروعات والأفكار قبل إخراجها للناس ..
وحين طالعت التوجيه الصادر من مجلس وزراء ولاية الخرطوم أمس بتكوين لجنة لإعداد رؤية متكاملة حول أوضاع الركشات.. تيقنت بأن أصحاب الركشات سيعيشون أياماً صعبة في الفترة القادمة وأن هذا الخبر هو بداية لعاصفة عنيفة ستجتاحهم.. لا تبقي ولا تذر..
وليس حديثي هذا متحاملا أو متجنياً على عقل وتفكير ولاية الخرطوم بل هو تعبير عن واقع حقيقي، فلو كانت هناك دراسات ولجان فنية موجودة في أي مرحلة من المراحل لما سمحت الولاية بدخول الركشات وترخيصها في ولاية الخرطوم من الأساس ..
لكن دراسة وضع الركشات الآن والتي تعني في تفسير العبارة الاتجاه الجاد لمنعها، لن تكون دراسة عادلة بعد أن دفعت الأسر البسيطة كل تحويشة العمر لامتلاك ركشة توفر لها مصروفات المعيشة أو جزءا من تلك المصروفات اليومية تكاليف الأكل والشرب بحدها الأدنى ..
كان من الممكن أن تتم تلك الدراسات للركشات (زمان) قبل السماح بدخولها للبلاد.. تتم دراسات تأخذ في الاعتبار كل تلك الجوانب الاجتماعية والصحية والبيئية والظواهر المرتبطة بها كما يقول الخبر، أما الآن فأي اتجاه لمنع الركشات أو اتخاذ قرار بشأنها يقتضي منكم أولاً تعويض أصحاب تلك الركشات بمشروعات تعادل قيمتها المادية قيمة الركشة وتتحمل الدولة تكلفتها كاملة قبل أن تجمع الركشات وتبيدها تماماً لو أرادت ذلك ..
يجب أن تفهم الدولة ويفهم مجلس وزراء الخرطوم أن الحكومة هي صاحبة المسؤولية الأولى في السماح بدخول الركشات إلى البلاد قبل سنوات طويلة.. بل تكسبت الحكومة من ورائها عبر رسوم الجمارك والتراخيص وكل الجبايات التي حصلتها من هذه الدابة ذات الأرجل الثلاث.. والتي لا ننكر أنها أصبحت تشكل مخاطر متعددة الجوانب على المواطن وعلى المجتمع بأسره لكن الحكومة هي المسؤولة بالدرجة الأولى، وأي قرار بصدد الركشات لا يتضمن تحمل الحكومة للمسؤولية بالكامل هو قرار ظالم ولو قررته لجنة خبراء من الأمم المتحدة وليس خبراء ولاية الخرطوم.
لو كانت بلادنا قد تحولت إلى حقل تجارب فإن السبب في ذلك هو القرارات غير المدروسة والخطط المنقوصة والمشروعات المستعجلة، ولو كانت بلادنا قد تحولت إلى حقل تجارب فإن على الحكومة أن تتحمل تكلفة ومصاريف هذه التجارب غير العلمية وليس المواطن البسيط والمسكين.. امنعوا الركشات بعد أن ترصدوا كل تكاليف هذا القرار (كاش داون) وتدفعوا للمواطن خسارته وإلا فإن والي الخرطوم سيكون قد ختم عهده بأكبر مظلمة لن يغفرها له التاريخ .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.