الطاهر ساتي

ترياق الجشع ..!!


:: عندما إنتقد الأخ محمد لطيف قانون الصندوق القومي للإمدادات الطبية في تحليله السياسي باليوم التالي، كان كمن يًحدًق في الذهب ولم يجد فيه من العيوب ما يستدعي النقد غير أن يقول ( بريقه يؤذي العين)..لطيف يُعيب على القانون بأنه حول صندوق الإمدادات الطبية إلى منافس لشركات الأدوية وأطلق يده في شراء الأدوية واستيرادها دون قيود ولا حدود..لقد صدق، فالقانون يفويِض الصندوق بشراء وإستيراد الأدوية من مصادرها بلا قيود رغم أنف شركات الأدوية..وإن كان هذا العيب يؤذي ( عين لطيف)، فأنه أفضل نص قانوني في تاريخ الدواء بالسودان .. وإليكم القصة التالية ..!!
:: منذ زمن طويل، ظل أحد الوكلاء بالسودان يحتكر تسجيل وبيع (دواء أسيتايل سيستين)، وهو مضاد يستخدم في حالات التسمم، وكانت هيئة الإمدادات الطبية ملزمة – بأمر التأسيس – بأن تشتري هذا الصنف الدوائي الهندي من هذا الوكيل طوال السنوات الفائتة بقيمة ( 27 يورو يورو)، أي (189 جنيهاً)..ولكن ذات يوم، قبل أشهر، تفاجأت هيئة الإمدادات الطبية بشركة بريطانية تعرض لها ذات الدوائي بقيمة (3يورو)، أي (21 جنيهاً)..وهنا لم تجد الهيئة حلاً لإزالة هذا الإحتكار الفاسد غير التنسيق مع مجلس الأدوية ثم إستيراد الصنف الدوائي البريطاني من مصدره مباشرة رغم أنف وكيل الصنف الدوائي الهندي بالسودان..هذا نموذج فساد تسببت فيه قيود أمر تأسيس الهيئة، ولذلك أطلق القانون الجديد يد الصندوق لمكافحة إحتكار ( الدواء و السعر)، وذلك بالإستيراد المباشر في مثل هذه ( المواقف الجشعة)، وهذا يُحفز الشركات بتسجيل المزيد من الأصناف ذات الجودة والأسعار المناسبة.. فما المعيب في مكافحة فساد بعض وكلاء الأدوية بمثل هذه السلطة القانونية يا لطيف ..؟؟
:: ثم البريق – وقد يؤذي العيون – في قانون الصندوق الجديد، لأول مرة في تاريخ الدواء بالسودان تلزم الحكومة صندوق الإمدادات بألا يربح ويتكسب من المشافي الحكومية ومرضاها لصالح (خزينة الدولة)، وذلك بإلزامه بالإعتماد على نظام التمويل الذاتي بأقل تكاليف تشغيلية، وأن يستخدم عائدات بيع الأدوية في شراء (أدوية جديدة)، وذلك لتوسيع (المخزون الإستراتيجي) وتقوية (الأمن الدوائي)، وتغطية تكاليف التشغيل بلا أرباح كانت تدفع – قبل هذا القانون – لخزينة وزارة المالية تحت مسمى ( الربط المقدر)..وكانت الهيئة ملزمة بتحقيق هذا (الربط المقدر)، مثل كل الهيئات التي تٌعاقب إداراتها في في حال (عدم التحقيق)، ولذلك كانت هيئة الإمدادات ترهق المشافي ومرضاها بالأرباح الطائلة ..!!
:: وهناك بريق آخر، قد يؤذي عيون بعض الطفيليات التي تقتات من أوجاع الناس، وهي بعض شركات الأدوية، ولكي لا نظلم كل الشركات أكرر (البعض)، وهو النص القانوني الذي يُلزم الصندوق بتوحيد أسعار الأدوية في كل آرجاء البلاد وتثبيتها ل(فترات طويلة)، أي لحين إنتهاء الكمية وشراء كمية أخرى بأسعار أخرى، وهذا ما لم يكن يحدث..كان يتم تغيير الأسعار أسبوعيا أو شهرياً، وذلك بحجة ( الدولار زاد)، علما بأن الأدوية مشتراة قبل ( الدولار يزيد).. فالقانون الجديد يكافح هذا الجشع ويلزم الصندوق بترحيل الأدوية إلى كل مشافي ومدائن السودان لتوحيد الأسعار..وهذا يشجع الشركات – بقوة القانون – بحيث تتساوى أسعار أدويتها مع أسعار أدوية الصندوق ( بلا جشع ).. !!