تحقيقات وتقارير

الجالوص.. حنـــان من أيـــام زمـــان

بيوت الطين أو الجالوص تلك البيوت التي عرفنها منذ زمن بعيد ندركه أو لا .. أو ربما إدراكه يحتاج الى سنوات طوال، ولكن يبقي هو ذلك البناء الذي يشكل حياتنا ويربطنا (بريحة) الأرض وطعم الطين ويقدم لنا (ريحة) الأرض في شكل منزل يأوينا فضلا عن أنها تمثل إبداع من المنتج المحلي قبل كل شي.. وعودة ظاهرة بيوت الطين في مختلف مدن السودان ليس ناتجا عن وعي بيئي، حيث أن هذه البيوت صديقة للبيئة، لكنها ناتجة عن عدم قدرة الناس على بناء بيوت الطوب و الخرسانة بسبب تكلفتها العالية. بيوت الطين، معروفة منذ القدم، وارتبطت بالفقر والمناطق الريفية. ورغم أن الزائر ينظر الى بيوت القرى والأرياف كرمز للبساطة والجمال، لكنها من وجهة نظر البعض، رمز للفقر والحاجة، فهي لا تحمي من حرارة الصيف ولا برودة الشتاء ، لكنها تلبي الحاجة الملحة الى سقف لأناس ليس لديهم القدرة على بناء بيوت الطوب.

وفي الوقت الذي ينظر فيه الناشط البيئي هيثم الطيب الى بيوت الطين على أنها مساكن صديقة للبيئة، إلا أن اغلب أصحاب هذه البيوت، يرون في مثل هذا الكلام ترفا، و” فلسفة ” لا يودون سماعها، ولعلهم على حق في هذا طالما أن الفقر وليس الدافع البيئي هو من يجبرهم على العيش في تلك البيوت.
ولكن تظل بيوت الطين تحمل قيم بين جدرانها وتحملنا الى البساطة التي تتوشح بالجمال، وهي تحمل رموز كثيرة في حياتنا إذ أنها تحمل قيمة العمل المشترك والتعاون بين الناس فطريقه بناء بيوت الطين لدينا هي طريقة النفير في الغالب، إذ أن أهل القرية يجتمعون رجالا وأطفالا ليقوموا ببناء بيت لأحدهم وتكون أيام بناء المنزل لأحد أهل القرية هي أيام يجتمع فيها أهل القرية على العمل وليس للسمر فقط فيعملون معا ويأكلون معا ويتسامرون معا ومن هنا تكون بيوت الجالوص سبب في تلاقي الأهل والأصدقاء منذ ميلادها، وربما لهذا انطلق الرابط بين بيوت الطين والمحنه وظلت بيوت الجالوص ترتبط بالعواطف الدراره وتحمل الذكريات المضيئة وتجعلك تشعر بأمان ما وتحنان ما فينطلق كروان الشمال يشد

بلاد الريد والمحنة بيوت الطين القديمى *** سلام ليك يعم يطوفك يحلق في سماكى ديمى
بعيد عنك يا بلدنا مصاقر الغربة اللئيمى *** معاي في البال مابتغيبي وأهيم فيكى مكان تهيمى
صور في عيني تترالي مشاهد حلوي وعظيمى *** تشيل من نفسي المآسي وبواقي الذكرى الأليمى
أشوف لى جنا بى حمارتوا شادها كارب الصريمى *** يلكد فيها وينهر ويقشط فيها بى نيمى
وبرضوا كمان مابى تمشى وهى جكجاكا ومو هميمى *** هو لابس عراقى بلدى مكرب ولافى العميمى
أشوف تربال ماشى طالع بعد حشا عشاء البهيمى *** وراهوا التانى داك يعرج كراعوا أظن مو سليمى
وداك شاقق بى هناك طلع بى ناس ود مريمى *** وداك من الصباح قايم عجلان شايل كريمى
وداك يخب ماشى أهلوا عشان السماء فيهوا غيمى *** عرش بيتوا قديم مشقق على فلقاً مو نعيمى
وداك يلاقيك باسم كرم فى طبعوا صار شيمى *** يقول لك لاجوة قنب يكتر لك فى العزيمى
بعيد عنك يا بلادى حياتى أنا ما ليها قيمى *** داير أرجع ليكى وأضمك وأعيش أنا فيكى لا ديمى
ومن هنا جاءت بيوت الجالوص لتقول كلمتها في المجتمع الحديث ونجد انه في السودان يكاد يكون ليس هناك بيت من بيوت الاسمنت يخلو من مظهر من البيوت القديمة بيوت الجالوص مثل أقامه عريش من القش (راكوبة ) أو جزء من البيت يبني من الجالوص والسبب أما لاستخدام هذا الجزء في الصيف أو منظر فلكلوري أو كشكل جمالي في الغالب
أفكار مضيئة
ويستمد اغلب بناة بيوت الطين في السودان أفكارهم من الطبيعة، فالقرى القريبة من الأنهار تكون جل بيوتها من الطين و القرى على جوانب الأنهر حيث يُمزج بالقش، و تخلط كميات قليلة منه مع تراب يجلب من أماكن خاصة بعد فحصه من قبل أصحاب الخبرة حول صلاحيته في تكوين خلطة مناسبة.
الطابية المقابلة النيل
وبيوت الطين ليس من خواصها منح التحنان وفيض الحنان العابر للأجيال بل نجدها تمنح الأمن في فترات وتساعد على صد العدوان علي البلاد مثل عمل الطابية والتي نجد أنها مبنية أصلا من الطين مثل اى بيت طين في السودان، ولكن بشكل هندسي يجعل منها قلعة دفاعية عسكرية ثم تحلت لاحقا الى رمز اثري قديم يوثق لحقبة مهمة من تاريخ البلاد.
وبيوت الطين أيضا نجدها مثل البيوت الخرسانيه بعضها في بلادنا خاصة القديم منها كان يشيد علي طوابق وهي في الغالب طابقين فقط كل طابق يكون عبارة عن منزل مكتمل ويكون الطابق الأرضي مشيد بحوائط عريضة جدا ثم تكون حوائط في الطابق الثاني اقل سمك من الطابق الأسفل وهذا النوع من البيوت كان يشيد في وت سابق فيس عدد من المدن السودانية خاصة المدن الشمالية .
شهقت الجالوص
وهناك نوع من البيوت يختلط فيه الجالوص بالطوب فيما يعرف بناء القشرة اى أن أصل البنيان يكون بالطين ثم تكون حوله قشره خارجية من الطوب وتكون من الطوب والاسمنت وهذا النوع من البيان يكون للزينة فقط اى أن الجالوص يكون في الداخل والطوب في الخارج وهذا النوع كان يقوم به أشخاص لهم قدره علي الجمع بين الطين والطوب وهم قله فقليل من الأشخاص من لهم هذه القدرة ولكن العادة هي التخصص هناك من يبني بالطوب وآخر بالجالوص ونجد أن البنيان القشرة هذا قد أصبح ينحسر كثيرا ليس كالماضي .
علامة مرور الفقر
ويلجأ البعض الى دمج الطين بكميات من الصمغ لزيادة التماسك، بغية الحصول على مادة قريبة في مواصفاتها من المواد الرابطة مثل الاسمنت والجص.
وما تزال الخرسانة لم تأخذ طريقها كمادة للبناء في الكثير من قرى السودان ومناطقه الريفية. لكن هناك عدد قليل من الريفيين من يتمنى بيتا من الطابوق الحجري والخرسانة.
فمن وجهة نظر كثيرين فان بيت الطين مهما تعددت ايجابياته فانه يمثل رمزا للفقر والحاجة يسعى كثيرون الى التخلص منه. وهكذا تأتي في بعض الأشعار والأغاني
قالت لي يا جالوصي
شن العشق ليكا
مالمطره في الابواب
والفقر هاديكا
ماتضوي شمعاتك
الريح ترازيك
وتنادي يابنية
الصوت يغيب فيكا
وتشوف عويناتك
تمشي وتخليكا
وناديتا يارحيقونه
هم الزمن فوقي
لاقدره لاحيله
ساكناني في دمي
زي نجمه في ليله
ماضحكة مسروقه
والفرحه ضل قيله
يابنية ياورده
كل الفراش حولك
ويبني السودانيون منذ أقدم العصور بيوت الطين بالفطرة، حيث اشتهر كانجاز يدوي يتطلب الكثير من الوقت، وغالبا ما تخلو بيوت الطين هذه من الأنقاض الخرسانيه والأجزاء الحديدية المضرة بالبيئة.
جالوص
ويرى مواطنون مهتمون بالبيئة ان معامل الإنشاءات مثل معامل الطابوق والخرسانة ، غالبا ما تترك أثارا بيئية سيئة في السودان بسبب التوسع العشوائي لها وعدم التزامها بالشروط البيئية المطلوبة.
يدعو سدنة الى الاستفادة من تجربة بيوت الطين لبناء قرى صديقة للبيئة تعتمد على الطين كمادة رخيصة التكاليف، وطبيعية حيث يمكن الاستفادة من خبرات بنائي بيوت الطين في هذا المجال
وغالبا ما تتميز بيوت القرى والأرياف بالبساطة والجمال، ويمكن ان تكون مشروعا رائدا لتوفير السكن لعدد كبير من السكان إذا ما جرى التخطيط لإقامة قرى ومجمعات وفق تصميمات هندسية.
وتستمد بيوت الطين في اغلبها من مواد طبيعية في السقوف والجدران كالأخشاب وسعف النخيل وجذوع وأغصان الأشجار حيث تتوفر المادة الأولية بشكل كاف.
ويقول “اسطة البناء” محمود حسن ان عدد من الناس يقضون العمر كله في بناء بيوت ضخمة باهظة التكاليف بسبب المبالغة في تزويدها بالخرسانة المسلحة، على رغم ان بيئة السودان لا تحتاج لان يكون البناء على هذه الشاكلة.

هندسة الطين
ودأب محمود منذ عقود على توظيف الطين وما يعرف بـ (الطوف) في بناء البيوت.
ويضف محمود كيف انه يخمر الطين ليوم أو يومين ويمزجه بنشار التِبِنْ حيث يضعه في قوالب للحصول على الشكل الهندسي، ثم يتركها تحت أشعة الشمس لكي تجف تماما.
ويجهز محمود التراب من مواقع تجمعات المياه، ويستفاد من جذوع أشجار وجريد النخل بعد معالجتها بعناية فائقة.
وغالبا ما يعتمد في تصميماته للبيوت على الشكل التقليدي الذي اشتهر به بيت الريف ، فالبيت يتألف من صحن كبير تحيط به الغرف المزودة بفتحات وشبابيك ويعتمد في عمله على جذوع النخيل كجسور في تسقيف غرف تقاوم الظروف الجوية لعشرات السنين.
ويقول : هذه الطريقة في البناء تنحصر في مناطق الريف وفي إطراف المدن بين الناس محدودي الدخل.
ويضيف: الناس لا تعرف ان بيوتها هذه صديقة للبيئة وتنظر إليها على أنها بيوت مؤقتة فرضتها الحاجة المادية، وهي معرضة للهدم في لحظة إذا ما توفرت المبالغ اللازمة لتشييد بيوت خرسانية على أنقاضها.
وفي الكثير من الأحياء السكنية تترك الأنقاض في الشوارع لفترة طويلة مثل الاسمنت و الطوب و الطابوق حتى بعد الانتهاء من عمليات البناء، حيث يؤثر ذلك بشكل كبير على البيئة ومنظر الأحياء والمدن
جالوص في أمريكا
وبيوت الطين أو الجالوص ليس حكرا على السودان أو هي اكتشاف سوداني خالص بل نجدها منشره في كل أنحاء العالم وهي في الأساس بيوت يبنيها الفقراء لأنهم لا يملكون ثمن البناء من الطوب وهي تتناسب مع أجواء الدول الساخنة فعندنا في السودان تكون بيوت الطين في الغالب أكثر ملائمة من بيوت الطوب والبيوت الخرسانيه لأجواء السودان الحارة فبيوت الطين تكون درجات الحرارة داخله مناسبة وتخفف من حرارة الجو بعكس بيوت الطوب والتي نجد أنها تكون أكثر سخونة خاصة في فصل الصيف وتحتفظ بالبرودة في الشتاء وهي كاتمه في الخريف وعند هطول الأمطار ولهذا نجد ان بيوت الجالوص أكثر ملائمة لطقسنا وأيضا نجد ان بيوت الجالوص التي تلائم أجواءنا قد غزت أمريكا خاصة في ولاياتها الحارة مع اختلاف ان من يسكن بيوت الجالوص في أمريكا هم الأغنياء فقط بعكسنا هنا إذ انه ليس باستطاعة الفقير ان يمتلك بيت جالوص في أمريكا، وتعتبر ولاية مثل أريزونا من اشد الولايات الأمريكية سخونة من السودان ونجد فيها أجواء ومناخ حار وتوجد فيها الاتربه والرياح لذلك نجد ان بيوت الطين و الجالوص -Adobe home يسكنها فى أريزونا الأغنياء لتكلفتها العالية و قلة المهندسين المهرة لبنائها.. احد الظرفاء قال (ممكن نصدر ليهم مهندسين جالوص من عندنا).

الوان