الطاهر ساتي

مشروع وطن ..!!


:: وكان ليوم السبت الفائت (قصة)، ولكن غصة تعكر (صفو القصة).. وعلى سبيل غصة، يُغسًل أحدهم وجه قلمه بماء الملح ليدافع عن أسطول عربات طلاب الحزب الحاكم ويُبرر لهم ما سُكبت فيها من مليارات نصفها يبني مدرسة للبنين وأخرى للبنات ومركز صحي لأسرهم بأي قرية يتداوى أهلها بالصبر والموت، وتلاميذها يتئكون على بعضهم ليشكلوا جدراناً لفصلهم بعد أن ضن عليهم القدر بجدار..وفي غصة أخرى، تحتفل حكومة الخرطوم بفندق روتانا وتوزع من الدولارات ما تكفي لنثريات (ثلاثين أفندى)، وهي تتراوح ما بين ثلاثمائة وسبعمائة دولار للأفندي، ثم تفوجهم إلى الكويت ليتلقوا دورة تدريبية، وما هم بخبراء ولا باحثين، بل فيهم مدير مكتب المدير..والدورة الدولارية في التخطيط الإستراتيجي ..!!
:: أما القصة.. في خواتيم العام 2012، مات طفل بمستشفى جعفر بن عوف لعدم وجود جهاز التنفس ..ولم يكترث لموته – لا بالإقالة أو بالإستقالة – من نسميهم بالمسؤولين، فتألم شباب شارع الحوادث وإستنفروا بعض أفراد شعبهم وأحضروا الجهاز، ثم تساءلوا فيما بينهم : لماذا يقف الحلم عند حدود هذا الجهاز؟، ولماذا لا نحلم بغرفة عناية مكثفة للأطفال؟..ثم كانت الفكرة و المشروع الحلم أو حلم مشروع.. أحمد إدريس، حسام مدني، محمد إسماعيل، مصعب محمد أحمد، ود الجاك، أيمن سعيد وآخرين، ولن تعرفهم جميعاً رغم أنك ( تراهم يومياً)..نعم، تراهم وتمر بجوارهم وتعيش معهم أينما كنت .. تراهم في وجوه في الكادحين وأحلام البسطاء، وتراهم في آمال اليتامى والأرامل وآلام المرضى، وتراهم في عرق الناس و في براءة أطفال كما الشروق يُزيح ستار الظلام ..!!
:: يومياً، منذ عام رحيل ذاك الطفل، يجتمع أحمد ورفاقه.. يجتمعون، لا في قاعات ذات نسائم ولا في مكاتب ماليزية الديباجة في بلاد غاباتها إما تحترق أو تصلح للقتال.. بل، يجتمعون على مقاعد الحاجة أم قسمة، والحاجة أم قسمة (قصة أخرى).. جاءت بطفلها إلى إبن عوف، وأرهقتها تكاليف العلاج، فأحتواها أحمد ورفاقه بجمع (العدة والمواد)، وجلست تبيع الشاي وتدفع فواتير العلاج، ثم صارت ملاذاً آمناً وحضنا رحيما لحلم الشباب والمشروع الحلم..على ( بنابرها)، و على مدار ساعات النهار وبعض ساعات المساء، يتناوبون بتناوب أرهق اليأس بحيث لا يتسلل (إليهم وفيهم)، ويرسلون النداء – عبر موقع التواصل الإجتماعي- لمجتمع ما خاب من راهن على مروءته.. !!
:: ويمضي اليوم، والأسبوع والشهر ثم العام والآخر..ولكل لحظة ( قصة حياة)، ولكل قصة عظماء من بلادنا ..أحمد وإخوانه، يتناوبون في نشر النداء ( صيفاً وخريفاً وشتاءً).. ليأتي الطالب بما تبقى من مصاريف الشهر، والطالبة بخاتمها، ولتستقبل هواتفهم كرم أهلهم بالداخل والخارج.. ويكبر رصيد الهواتف وهم في قلوب الناس يكبرون.. ويمضي المشروع بعقولهم وسواعدهم ويتجاوز مرحلة الحلم إلى أرض الواقع بمستشفى محمد الأمين حامد للأطفال ..!!
:: (185 متر مربع)، هي مساحة الحب التي تحضن (أوجاع الصغار) بمستشفى محمد الأمين حامد للأطفال، وإفتتحتها الحاجة أم قسمة وطفل يتلقى العلاج، وبها غرفة للعزل وأخرى لكادر التمريض بأثاثها، وثالثة للطبيب المناوب بأثاثها، ورابعة للتعقيم، ومن الأجهزة والمعدات الطبية والمساعدة أحدثها مع ضمان الصيانة الدورية وكل وسائل التأمين ..(2.662.013 جنيه)، تكلفة المشروع الذي (كان حلماً)..هؤلاء هم السودان المرتجى باذن العلي القدير، ولذلك يبقى الحلم ..( مشروع وطن)..!!