جمال علي حسن

أزمة الدولة الإنقاذية القديمة


[JUSTIFY]
أزمة الدولة الإنقاذية القديمة

حتى لا (نلفلف) على الكلام ونكرر ذات اللحن وذات الأنغام.. نقول بالوضوح والاختصار إن الدولة الإنقاذية القديمة بصورتها وثقافتها المعروفة لم تعد صالحة للاستعمال الشعبي والجماهيري ولم تعد الكثير من المفردات واللافتات القديمة (جايبة حقها)، لا شعارات ولا برامج..
وهذه الحقيقة قد نستشف قناعة أهل الإنقاذ أنفسهم بها من واقع تعطيلهم للكثير من الأسطوانات والمعزوفات السياسية والفكرية التي كان قد تم إنتاجها في أستديوهات ما بعد 1989..
والآن هم بأنفسهم يقومون بتعطيل عملية تسويقها بما يشبه حالة الإقرار بنهاية مدة الصلاحية.. وتلك طبيعة الأشياء.. أنها تحتاج إلى تحديث دائم وتطوير مستمر، لما يحدث وكل الأشياء بلا استثناء، حتى النظريات الفكرية تكتسب طاقة تطويرها بعد التجريب والنقد والنجاح والفشل..
وهذه الحقيقة لا أقدمها هنا بغرض الاستخفاف أو نسف وتحقير ما يعتبره الكثيرون إنجازات لدولة الإنقاذ.. فالحق أن هناك اجتهادات كبيرة حدثت في مجالات مختلفة محفوظة ومقدرة ولها تقييمها وتأثيرها على الناس في حدودها وفي وقتها وزمانها الذي تمت فيه.. ويشهد بها معظم الناس لأنها تشهد على نفسها بوجودها وبنتائجها..
ولكن وبالمقابل فإن قائمة الفشل المرصودة للإنقاذ هي أيضا قائمة حقيقية بنسبة لا يستهان بها، حتى ولو أعدتها أياد معارضة يجب أن يتم الإقرار بما فيها من حقائق يشهد عليها واقع الحال وتشهد هي الأخرى على نفسها قبل أن تحتاج شهادة أحد للتأكيد أو الإثبات..
والإنجاز في أي مجال من المجالات لا يسعف الفشل في المجالات الأخرى.. أي أن منطق (الرد بالسد) ليس مقنعا إلا في حالة واحدة هي مخاطبة من أنكر السد نفسه أو أنكر مائة بالمائة وجود أي مشروع ناجح أو إنجاز حقيقي تم في البلاد خلال ربع القرن الماضي..
أنظمة الحكم لا تعيش عمرها بريع إنجازات قامت بها في مرحلة من المراحل.. والإنجازات ليست عقارا يتم استئجاره للزمن.
والآن خطاب البشير لا يخلو من وجود مداخل جيدة يمكن تطويرها بالتعاطي معها بإيجابية لتحقيق التعافي السياسي في السودان، ومن ثم تحقيق الاستقرار والبناء للمستقبل، ولكن في تقديري أن أول ما يحتاجه النظام في خطوات تنفيذ مشروع الوفاق هو التخلص من (حراس) مشروع الدولة الإنقاذية القديمة.. حرس الشعارات القديمة وحرس الهتافات القديمة وحرس البرامج القديمة..
نحتاج في المرحلة القادمة للغة مختلفة وثقافة مختلفة تتجنب كل ما يشير (للأنا) التنظيمية الحاكمة كوكيل حصري لخطاب الدولة السياسي.. والانتقال إلى صيغة الجمع وضمير (نحن) لتخفيف الحساسية العالية والشك الكبير من القوى المعارضة في صدق النوايا..
وقد انتبه بذكاء لحساسية الرصد منذ لحظة ما بعد الخطاب الأستاذ الشاطر محمد لطيف حين اعترض بشدة على لغة غير موفقة تحدث بها دكتور أمين حسن عمر في سياق تحليل الخطاب عبر برنامج الطاهر حسن التوم بالنيل الأزرق؛ أمين قال في وصف المعارضة (ما يسمى) بقوى الإجماع ، فاحتج محمد لطيف على تعبير (ما يسمى) وكان اعتراضه حادا جدا وهو ينتقد أمين (أها رجعنا تاني للكلام دا..؟!)

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي