جمال علي حسن

براعة الحكومة في إنتاج معارضيها


في بدايات عهد الإنقاذ حين كان النظام الجديد يسعى لتمكين نفسه وقعت أخطاء كبيرة في الخدمة المدنية وفي الأجهزة النظامية في الدولة عبر عمليات تصفية وتشريد للعاملين طالت معظم المؤسسات الحكومية، وكانت التصفية تتم وفق معايير سياسية وتنظيمية تسببت في إحداث جراح عميقة في المجتمع قد تجد الآن من بين قيادات الحزب الحاكم من يعترف بأنها كانت ممارسات خاطئة فعلاً، وآخرون يصرون حتى الآن على صحتها باعتبار أنها كانت ضرورة في تلك المرحلة، لكن النتيجة المتفق عليها هي أن الحكومة ظلت حتى يومنا هذا تتحمل أعباء ونتائج تلك السياسات القديمة.
وقبل ثلاث سنوات تقريباً كنت قد التقيت في إحدى مدن أوروبا بأحد ضباط الشرطة المحالين للصالح العام في بداية التسعينيات لاجئاً سياسياً هو وأسرته ولم يعد للسودان منذ مغادرته له قبل أكثر من عشرين عاماً، كان يحكي قصته بألم ويقول لي منذ أن ارتديت (الميري) الخاص بالشرطة كان ولائي الأول لعملي المهني كضابط في شرطة مكافحة المخدرات لأنني كنت أعمل في مؤسسة شعارها (الشرطة في خدمة الشعب) وليس في خدمة حزب أو تنظيم سياسي. لكنهم أجبرونا على الانتظام في صفوف المعارضة بعد أن فصلونا ونفذوا مجازرهم الوظيفية لنتفرغ بعدها للعمل السياسي المعارض منذ ذلك الوقت.
ولا يزال هاجس عدم الانتماء السياسي معشعشاً في أذهان الخريجين المتقدمين للحصول على وظائف في الحكومة وليس هذا الهاجس مجرد وسواس قديم بل لا تزال الكثير من الدوائر في الخدمة المدنية تعززه باعتمادها لمعيار الولاء التنظيمي في اختيار وتوظيف العاملين، ولا تعتبر بأخطاء الماضي ونتائج هذه السياسة اللعينة التي تصنع بها الإنقاذ معارضيها.. الإنقاذ تنتج معارضتها بيدها وبمثل هذه الممارسات من كهنة التنظيم الذين يبرعون في صناعة خصوم الحكومة وتربيتهم على معاداتها أكثر من براعة المعارضة نفسها ونجاحها في تنمية وتوسيع خريطتها الجماهيرية.
طالعت خبراً صغيراً بصحيفة (الأهرام اليوم) أمس يتحدث عن تذمر أعداد كبيرة من المتقدمين لوظائف في الخدمة المدنية بعد مطالعتهم النتيجة التي أصدرتها مفوضية الخدمة المدنية وأنهم قاموا بتمزيق النتيجة على لوحة الإعلانات وبأسباب أراها موضوعية إذ يتحدثون عن اختيار موظفين لوظائف لم يعلن عنها ويتحدثون عن محسوبية بائنة في النتيجة وفوضى تستوجب فتح تحقيق إداري عاجل وشفاف داخل المفوضية وتوضيح رسمي من إدارة المفوضية فزمان العنتريات وتحدي الدولة للمجتمع يجب أن يكون قد مضى.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين