جعفر عباس

درس للصحفيين المتطاولين


أمامي قصاصة تروي حكاية وزيرة الثقافة في دولة عربية إفريقية، وكيف ضربت مدير إدارة تابعة لها «بوكس» وهي اللكمة القوية (طاخ) على «كتفه»، حتى تم نقله إلى المستشفى بعد أن سقط مغشيا عليه. قال جنس لطيف قال!! حسناً لقد جاراها زميلها وزير الصحة، ومعه حق، فإذا كانت وزيرة الثقافة المسئولة عن التنوير ونشر الوعي بالحوار وتبادل الرأي تعبر عن رأيها (وهي من الجنس الناعم) بالضرب، فلا ضير في أن يفعلها زميل لها في نفس الحكومة.
الحكاية نشرت على نطاق واسع وخلاصتها أنه خلال لقاء مع الصحافة كان وزير الصحة يتكلم بنفس مفتوحة عن إنجازاته ومشاريعه الحقيقية والوهمية عندما سألته صحفية عن أقاويل عن السماح بتداول أدوية فاسدة وصلاحيتها منتهية… يا للهول.. بنت مفعوصة تتطاول على مقام صاحب المعالي الوزير وتسأله سؤلا محرجا كهذا؟ كان رد الوزير: هل لديك حساب تريدين تصفيته مع الوزارة؟ قالت: لا، أريد الحقيقة حول ما يتردد عن وجود أدوية فاسدة في المستشفيات والصيدليات!.. هنا – وأنا أنقل الكلام عن قصاصة الصحيفة الصادرة من بلد الوزير – انفجر الوزير ونعت الصحفية بنعوت أخفها وقعا أنها «مُعفَّنة»، أي تفوح منها رائحة العفن. وقال شهود عيان إنه بعد كل هذا ضربها بقوة عدة مرات على صدرها.
تذكر أن زميلته وزيرة الثقافة وهي امرأة، ضربت رجلاً على كتفه وبالتحديد على قفاه! ولاحظ أن وزير الصحة وهو رجل ضرب صحفية وهي امرأة على صدرها!! وأكدت نقابة الصحفيين التي تنتمي إليها المجني عليها تعرضها للشتم والضرب وطالبت بمحاسبة الوزير الغيور على المصلحة العامة بدرجة أنه رأى أن أفضل وسيلة لنفي تهمة التقصير أو التواطؤ مع مستوردي الأدوية الفاسدة، هي ضرب من يتجرأ على طرح سؤال حولها!! لسوء حظ الوزير فإنه كان يدرك أن الحكومة التي يتمتع بعضويتها، ويحسب أنه يستمد منها القوة والحصانة بحيث يستطيع أن يضرب فتاة لطرحها سؤلا يعرف الوزير أن الملايين تطرحه.. تلك الحكومة كان من المعروف وقتها أن عمرها قصير أي أن هناك تعديلا وزارياً جذريا سيطيح بعدد من الوزراء (وحدث هذا بالفعل بعد الحادث بأسبوع)، وبداهة فإن فرصة وزير يجيب عن السؤال «الشفهي» بالاعتداء البدني، في الاحتفاظ بمنصبه ضعيفة، فكان لابد من أن ينفي التهمة عن نفسه، وقال كلاما أسخف مما قاله راغب علامة لنفي ما تردد من أنه قال ان نساء السودان قبيحات.. قال علامة الفهامة: هذا افتراء وكذب من تأليف الموساد (مما جعلني أتعاطف مع الموساد!!)، ولتأكيد ذلك – والكلام لا يزال لراغب علامة – سأشرك فتيات سودانيات في الفيديو كليب «تبعي» الجديد (يعني كان من الخير له أن يؤكد أن فتيات السودان في نظره قبيحات من أن يقترح إشراكهن في فعل قبيح كالفيديو كليب).. المهم أن الوزير قال إنه لم يضرب الصحفية، وان كل من يعرفه يعرف طريقته في التعامل مع الصحفيين، وهي أنه يربت على صدر من يتحدث معه وأن ذلك لا يعني الضرب!! يا سعادتو تخبط صدر شخص أربع خمس مرات.. لنقل برفق، «وهذه طريقتك في التخاطب مع الصحفيين».. بس كانت بنتا.. يعني عيب أن تطبطب على صدرها حتى لو كنت في منتهى السرور من السؤال الذي طرحته عليك؟ ثم هل تريد منا أن نصدق أنك وصفت فتاة بأنها كذا وكذا وتنضح بالعفن ثم ضربتها مداعبا على صدرها أو حتى كعب قدمها؟ وما يرشحك لفقدان منصبك هو أنك تقول انك اعتذرت لها بعد ذلك؟ علام كان الاعتذار إذن؟ على الضربة أم الطبطبة عل «الصدر»؟ وسؤال للقارئ: عندما تقرأ وتسمع مثل هذه الحكايات عن البلطجة التي يمارسها وزراء في عدد كبير من الدول العربية أمام الكاميرات، هل يخطر ببالك أن كلمة وزير في تلك البلدان مشتقة من «الوزر».. وألا تراودك الرغبة عندما تلتقي بوزير من تلك الشاكلة أن تصيح في وجهه: هِز يا وزر؟
ألا يستحق الملك سلمان التحية لأنه عزل مسئول المراسم ووزير الصحة لأنهما تعاملا بعنف مع مواطنين.

jafabbas19@gmail.com