ضرب الشرطة.. بأكثر من عصا!
كلمتان كفيلتان بتفريق أي تجمع غير قانوني في الأسواق أو الأحياء والطرقات.. هما: (الحكومة جاااتكم).
هكذا كان الحال.. والحكومة في تلك الصرخة تعني البوليس في اللغة الاجتماعية القديمة، وتعني رجل الشرطة..
ظل رجل الشرطة على الدوام يمثل سلطة القانون وهيبة الدولة، ولازلنا نذكر كيف أن رجل الشرطة لم يكن يملك من السلاح سوى عصا مخروطية الشكل، متوسطة الحجم، لها سير أسود عند الجهة الأنحف والأقل حجماً، يمسك به رجل الشرطة إذا ما أضطر إلى استخدام تلك العصا السوداء التي كان يهابها النشالون ومثيرو الشغب والمشاجرات، وزوار الليل من الذين يتسورون المنازل ينتهكون حرماتها، أو من الذين يقومون بكسر المحال التجارية في الأسواق.
صافرة صغيرة كان يحملها رجل الشرطة يطلعها عندما يشعر بحاجته إلى معاونة زملائه، كانت بمثابة نداء للدعم والمساندة.
نتحدث ونكتب ونسود الصفحات عن ضرورة فرض هيبة الدولة، ونعمل عكس ذلك تماماً، فعندما يؤدي الشرطي واجبه ويتعرض للاعتداء نتهمه باستخدام العنف أو القوة المفرطة في مواجهة المدنيين، وليست قضية الشهيدة (عوضية عجبنا) ببعيدة.
وعندما يتصرف الشرطي وفق تقديراته الميدانية للموقف نصفه بالتخاذل ونتهمه بالتقاعس وعدم أداء الواجب.
آخر شهداء الشرطة الملازم عوض زايد، الضابط المسؤول عن قسم (ود أب صالح) في محلية شرق النيل، تم الاعتداء عليه من قبل مجموعة من المواطنين بالمنطقة مساء الاثنين الماضي، بعد أن أبلغ أحد المواطنين الشرطة بوجود مخمور يتعدى على السابلة وعابري السبيل، ويسبب لهم الذعر غير ما يتسبب فيه من إزعاج عام..
تحرك فريق من الشرطة إلى موقع الحدث، وعند محاولة عدد من أفراد الشرطة القبض على المتهم المخمور، قام عدد من المواطنين بالاعتداء على رجال الشرطة بالعصي والحجارة لمنع تنفيذ أمر القبض على المتهم..
ذلك الفعل الشائن المركب الذي بدأ بمنع القبض على المتهم، ثم الدخول في معركة مع الشرطة، ذلك الفعل كان هو دافع الشهيد الملازم شرطة عوض زايد للتحرك لاحتواء الموقف، لكن الذي حدث أن المجموعة ذاتها قامت بالتعدّي عليه وأصابته عدة إصابات بالغة في الرأس وبقية جسمه، استشهد بعدها.. وتم القبض لاحقاً على عدد من المتهمين – ستة – من بينهم المتهم الرئيس وتم فتح بلاغات جنائية في مواجهتهم، ولازال هناك متهمون تبحث عنهم السلطات شاركوا في تلك الجريمة البشعة.
إستشهاد الملازم شرطة عوض زايد وهو يؤدي واجبه، فيه انتقاص من هيبة الدولة، وفيه استخفاف بالقوانين، وتحقير للمسؤولية وأداء الواجب المهني.
استشهاد الملازم شرطة عوض زايد، على أيدي مجموعة من الناس كأنما هو إشارة خضراء لمنع الشرطة من أداء واجبها إذا ما تعارض ذلك الواجب مع مصالح ورغبات الآخرين.
نخشى أن يتفرق دم هذا الابن البار لوطنه ومؤسسته الشرطية على جماعة المتهمين دون أن ينال أي منهم العقاب المستحق بسبب اعتراض موظف عام أثناء أدائه عمله، ثم استخدام القوة في مواجهة تنفيذ القانون، ثم حماية متهم من أن يخضع بالمثول لأمر الشرطة للتحري حول إتهامات في مواجهته.. ثم إزهاق روح ممثل الدولة وحامي القانون دون مبرر يستدعى ذلك الفعل الخطير.
نحن وللأسف الشديد نعمل على ضرب الشرطة بأكثر من يدٍ وبأكثر من عصا، ونصدر عليها الأحكام الظالمة في القضايا واضحة الزوايا مكتملة الأركان.. ثم نتحدث عن هيبة الدولة.. لن تكون لدولتنا هيبة وكثيرون منا يتصرفون وفق أهوائهم ولا يحترمون القانون، ولا يكترثون بالنتائج.
رحم الله الفقيد الشهيد الملازم شرطة عوض زايد وألهم آله وذويه الصبر والسلوان وحسن العزاء.. وعزاؤنا موصول للشرطة السودانية ولكل أفرادها في كل بقعة من بقاع الوطن.