“بلاتر” و”بطرس”..!!
هل يتذكر الناس كيف خرج د. “بطرس غالي” المصري المسيحي من قصر الأمم المتحدة وتمت أزاحته بإرادة الممولين والداعمين وأصحاب الحق الأصيل، رغم اعتراضات أصحاب الحقوق الثانوية؟ وما هي خيوط التشابه بين ما جرى حينها من مؤامرة باردة، أخرجت د. “بطرس” من منصب الأمين العام للأمم المتحدة رغم (موالاته) لدولة الكيان الصهيوني وتماهيه معها، وما حدث أمس في مدينة زيورخ السويسرية، حينما تعرض الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى عاصفة شديدة كادت أن تقتلع إمبراطورية الـ(فيفا) وتهدم المبنى الزجاجي الفخيم في مدينة زيورخ التي تعدّ واحدة من أغنى مدن العالم وأغلاها، وإليها يحج سنوياً الآلاف من الأثرياء الذين يديرون كرة القدم في العالم، وتحتضن توزيع جوائز الـ(فيفا) السنوية؟؟ لكن روائح الفساد انبعثت من المبنى الزجاجي وتصاعد الدخان، حتى ظن الكثيرون أن الرجل السبعيني “جوزيف بلاتر” سينسحب من السباق الانتخابي (الجمعة) الماضية، ويتم تأجيل الانتخابات أو فوز الأمير الأردني الصغير بأعلى منصب في العالم.. وما أشبه ليلة (الجمعة) بيوم استقالة د. “بطرس غالي”، الذي اتهم سراً بالضعف وعدم القدرة على إصلاح الأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بينما اتهم “جوزيف بلاتر” علناً بالفساد وشراء الذمم في اختيارات الـ(فيفا)، لاستضافة كأس العالم 2018، وكأس العالم 2022م.. ويذكر العالم برمته أن صحيفة وقورة ومحافظة مثل الـ(غارديان) البريطانية ليست صفراء فاقع لونها تسر القراء من العامة المأخوذين بجهلهم.. لكنها يوم حصول قطر على حق استضافة كأس العالم، نشرت في صفحتها الأولى صورة لكأس العالم وكتبت تحتها (بيعت)!! مثلما كتبت صحيفة الـ(واشنطن بوست) يوم استقالة د. “بطرس غالي” من منصبه (وداعاً عجوز العرب).. ولم يكن د. “بطرس غالي”، إلا رجلاً من طينة النمساوي “فالدهايم”.. والسويسري “بلاتر” الذي وقف الاتحاد الأوروبي بقوته الصوتية ونفوذه وإعلانه في وجهه، لكنه صمد.. وكسب أصوات أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا لكنه خسر سمعته.. وسبعة من معاونيه السابقين يقبعون في غياهب السجون السويسرية، في انتظار ترحيلهم إلى الولايات المتحدة للخضوع للمحاكمة هنالك بتهمة الفساد.. ولن تعترض الدول التي ينتمي إليها الفاسدون على الإجراء، وتدعي أنها قادرة على محاكمتهم في أوطانهم لأن الأوطان ما عادت تحمي الفاسدين من سلطة العدالة.
أي مستقبل ينتظر كرة القدم العالمية بعد أن وضعت سمعتها على المحك؟؟ وهل يستطيع “جوزيف بلاتر” الصمود خلال السنوات الخمس القادمة بعد أن نال الأصوات التي تؤهله لقيادة الاتحاد؟؟ إن التحقيقات إذا أثبتت فساد مساعدي “جوزيف بلاتر”، فإن السويسري العجوز سيتنحى من منصبه قبل إكمال دورته الحالية ويفتح الباب لوافد آخر، لن يكون بطبيعة الحال من القارة الأوروبية العجوز التي فقدت فرصتها، سيفتح باباً لظهور أفريقي أو عربي أو آسيوي أو أمريكي جنوبي لتولي زمام إمبراطورية المال وكرة القدم؟؟
وهل يستطيع رئيس الـ(فيفا) الاستمرار في موقعه وكل أوروبا غاضبة عليه ومطالبة برحيله، وأوروبا تمثل أكثر من (60%) من كرة القدم في الدنيا.. ومن ينال سخط الأوروبيين فقد خسر موقعه، حتى لو كان سويسرياً عنيداً مثل “جوزيف بلاتر”.. والسويسريون شعب صعب المراس خاضوا حروباً طويلة في جبالهم الشاهقة، وتعرضوا في القرون السحيقة لمحنة الدفاع عن الوجود، لكنهم بعزيمة سكان الجبال قهروا الصعاب.. و”بلاتر” هو مزيج من الشعب الألماني العنيد، والشعب الفرنسي الرقيق، لكنه اليوم يسكن قصراً من الزجاج الشفاف.. وقد كتب د. “بطرس غالي” غداة خروجه من الأمم المتحدة كتاب (بيت من زجاج)، ربما يطالعه “بلاتر” في هذه الأيام للعبرة والاعتبار.