جعفر عباس

الورد والود والتخلف (1)


قبل بضعة أسابيع أتاني رجل صادقته مؤخراً وجلس أمامي مؤدباً، رغم انه ليس كذلك عادة، وأبلغني انه يريد دعوتي أنا وبعلتي إلى العشاء في فندق فخيم، وعندما لبينا الدعوة فوجئت بان مناسبتها مرور عامين على زواجه! ويبدو انه لم يشأ ان يخبرني بمناسبة الدعوة كي لا يعرض نفسه للهزء والسخرية، أو كي لا يكبدني عناء شراء هدية له ولحرمه، مع أنه ما كان وارد أن أفعل ذلك قط! شخصان تزوجا ويريدان ان يتذكرا يوم زواجهما: ما الذي يهمني في ذلك؟ أنا مالي؟
ومنذ يومها قررت مقاطعة صاحبي ذاك! لماذا؟ لأن بعلتي الحالية كشرت عن أنيابها فور عودتنا إلى البيت وقالت لي: لماذا لم تفكر ولو مرة واحدة في الاحتفال بذكرى زواجنا كما يفعل الناس المتحضرون؟ قلت لها: لأنني لست متحضراً بدرجة كافية! ماذا تتوقعين من شخص نشأ وترعرع في بيت كان فيه تعداد الماعز والدجاج أكثر من تعداد البشر؟ ولكن هل أنا فعلا متخلف لأنني مثلا لا احتفل بيوم ميلادي، ونجحت في إقناع عيالي بتجاهل الاحتفال بأيام مولدهم بعد أن يبلغوا العاشرة واقدم لهم في سبيل ذلك رشاوي تناهز قيمتها كلفة الحفلات؟ لم يحدث قط أن قدمت لأحد وردة أو قدم لي أحدهم وردة إلا وأنا/ هو/ هي في المستشفى، وفي أول مرة لزمت فيها سرير المستشفى، وحاصرني بعض الأصدقاء المتحضرين بالزهور، تشاءمت لأنني تذكرت غاندي ومحرقات الهندوس للموتى والتي تكون عادة مغطاة بالورود! تخيل أن شاباً سودانياً من جيلي قدم للفتاة التي يحبها أو يعتزم الزواج بها وردة! لو كانت بنت ناس كانت ستفسخ الخطوبة، اما إذا كانت بنت «الذين» فانها ستبلغ عنه سلطات الصحة النفسية أو ستعتبره شاذاً جنسياً من منطلق ان الرجل القادر على ملء هدومه لا يتعامل مع البشر الأسوياء بالنباتات ومنتجاتها مهما كانت قيمتها الجمالية! (وأدركت لاحقا أن التعبير عن المشاعر بالورود، أقوى وأروع من الكلمات، ولكن مع هذا أفضل تقديم هدية ذات قيمة مادية ومعنوية لمن أعرف أن الورد ترف لا مكان له في قاموس حياتهم).
ويفاقم من تخلفي الاجتماعي هذا انني لست مقتنعاً حتى الآن بأنني متزوج! ولا يعني هذا انني لست مقتنعاً بزوجتي بل يعني انني أتصرف في حياتي اليومية وكأنني خالي طرف! ولا يحسبن أحدكم أنني العب بذيلي أو «أذاكر» من وراء ظهر زوجتي، بل كل ما هناك هو انني لا أستطيع تقمص دور الزوج أو الأب التقليدي الذي يجلس في البيت في كرسي معين ويعود من العمل فيسري حظر التجول وتنعدم حرية التعبير في البيت! بالعكس فأنا اكبر مصدر للإزعاج في بيتي وأوقظ عيالي من النوم بالمسدسات المائية! ولي بنت تعتزم الحصول على الماجستير في نقدي من حيث المظهر والمخبر، ولكنها قريبة إلى قلبي جداً لأنها مزعجة ولأنها لا تحب الرتابة ولا أحد يستطيع إرغامها على فعل شيء من دون ان تقتنع! نامي يا بنت فالساعة الآن العاشرة! فترد بكل برود: ومن قال لك ان النوم يأتي بالأمر في العاشرة أو في غير العاشرة؟ سؤال منطقي.
لم أكن أتصور في صدر الشباب انه سيأتي اليوم الذي أعود فيه إلى بيتي في ساعة معينة حاملا معي الخس والبطيخ والخبز والبندول (ما من امرأة إلا وتموت في البندول!) ولم أكن أتصور انه سيأتي اليوم الذي أكون مسؤولاً فيه عن الحالة الصحية لـ«شخصة» تقيم معي (والمشكلة هي ان النساء لا يصبن بالأمراض المستعصية أو المزمنة إلا بعد الزواج).

jafabbas19@gmail.com