يوسف عبد المنان

(خمسة سنين)!!


خرجت من بوابة المجلس الوطني بعد أن صدني الموظفون المشرفون على دخول الصحافيين.. لم أجد اسمي ضمن قوائم المطلوب حضورهم المناسبة.. اعتذرت لضابط شرطة برتبة عميد تبرع بالتوسط لي للدخول.. عدت ولكن ليس كما عاد الشاعر وأسفه في عيونه ودرب الرجعة ما عرفو.. عدت وأنا أردد أغنية الحقيبة (كلما سألت عليك صدوني حراسك.. رد الجواب كافي مع أني من ناسك).. وقد صد الحراس قبلي رئيس تحرير (التغيير) الأستاذة “سمية سيد”، ومن بعدها جاء “عبد الماجد عبد الحميد” وتم إبعاده أيضاً من بوابة البرلمان.. وسألت السيد نقيب الصحافيين، عن الجهة التي وجهت الدعوات، فكان “الرزيقي” آخر من يعلم، ونفى أن تكون قد وصلته دعوة.. وكثيراً ما يغيب رؤساء التحرير والكُتّاب عن المشهد السياسي الاحتفالي، تحسباً لما قد يحيق بهم في مداخل بوابات القصور.
كان المشهد الخارجي للاحتفال حشداً جماهيرياً (معقولاً).. تنوعت مشاهد الفرق الغنائية والشعبية بتعدد ثقافات السودان، وشوت شمس يونيو الحارقة ضباط وجنود شرطة المرور وهم وقوف لتنظيم حركة سير آلاف السيارات.. لماذا لا تتخذ وزارة الداخلية قراراً بالسماح لجنود الشرطة باستخدام مظلات تقي من حرارة الشمس حفاظاً على أرواحهم؟؟تم استخدام ساحة مسجد النيلين بأم درمان لاستيعاب سيارات القيادات الوسيطة من البرلمانيين وكبار قادة الخدمة المدنية ومنسقي الشرطة، وغيرهم من غير أصحاب المقامات الرفيعة من ضيوف البلاد الأجانب والسفراء والمراقبين والوزراء السابقين الذين ينتظرون مصيرهم اليوم!! واهتمت قطاعات عريضة من السودانيين بحدث (التنصيب) أو أداء القسم حيث اختلف خطاب الدولة، هل هو تنصيب أم أداء اليمين الدستورية؟ وكعادة الأفارقة من الدول الصديقة والشقيقة كان وجودهم طاغياً وكبيراً والوجود العربي أقل عدداً وأدنى مستوى في التراتيب المراسمية.. ومنذ سنوات ظلت أفريقيا تنصر السودان، وتشد من أزره.. وقد كان لقرار الرؤساء الأفارقة بشأن المحكمة الجنائية الأثر البالغ في إضعاف القرار حتى تلاشت قرارات “أوكامبو”، وهناك دول عربية مثل قطر ومصر وقفت أيضاً سنداً وعضداً للسودان في أيام محنته.. لذلك اليوم والخرطوم تستقبل اليوم الأول من خمس سنوات قادمات لرئيسها المنتخب كان لوجود الرئيس الكيني دلالة مهمة، والرئيس “إدريس دبي” ورئيس وزراء إثيوبيا.. وأفريقيا الوسطى.. وشكل وجود الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” دلالة تنامي العلاقات السودانية المصرية رغم وجود تقاطعات عقدية وفكرية في توجهات النظامين، لكن لغة المصالح أضحت طاغية على الأيديولوجيا والمواقف السياسية.
بدأ الرئيس “عمر البشير” دورته الجديدة بخطاب حمل مؤشرات للحقبة الرئاسية الجديدة التي تنتهي في عام 2020م، كمراجعة نظام الحكم الاتحادي بعقد مؤتمر متخصص في السنوات القادمة للنظر في تجربة الحكم الاتحادي.. سلبياتها وإيجابياتها وهل تمضي الدولة في دفع استحقاقات الحكم الاتحادي أم لا؟ وكذلك من المؤشرات المهمة في خطاب الرئيس إعلانه تكوين مفوضية خاصة تتبع لرئاسة الجمهورية لمكافحة الفساد.. ودعوته للمجلس الوطني للاضطلاع بمهمته في الرقابة على الجهاز التنفيذي في الدولة، والقضايا الثلاث تمثل جوهر خطة الرئيس للأعوام الخمسة التي ستنقضي سراعاً، فهي لمحة من تاريخ الأمم والشعوب.. لكنها سنوات ينتظر السودانيون أن تشهد تغييرات كبيرة على صعيد أمنهم ومعيشتهم.. ووجودهم بين الشعوب كدولة ينبغي أن تحترم.. وأن يصبح السودان وطناً جاذباً لأبنائه لا طارداً لهم يشعر كل إنسان فيه بالحرية والطمأنينة وعزة النفس لا قهر ولا إذلال.. (خمسة سنين) قادمة بلا حروب وبلا دماء.. وبلا صراعات.. فقد عاش هذا الشعب يعاني من الظلم، والفساد الغاشم منذ 1956م، فهل تصبح السنوات الخمس القادمات أحلى سنوات العمر؟!