البلاترية الجديدة.. انقلاب الصورة
بدا لي الأمر ممتعاً ومثيراً للشجون وأنا أُمحص وأدقق النظر في صورتي رئيس (فيفيا) السويسري العجوز (سيب بلاتر)، فعقب فوزه رغم خضم الفساد الهائل الذي اجترحه مقربون منه، بدا الرجل وهو يقرأ خطاب النصر من خلف المنصة البيضاء المكتوب عليها بأحرف إنجليزية زرقاء (FIFA)، رافعاً قبضتي يديه وكأنه رمز للقوة والجبروت والتماسك، ولكن لم تنقض أيام قليلة على تكريس هذه الصورة المذهلة حتى أطاحت بها صورة الاستقالة، فتحولت، فانفتحت يدي الرجل عن قبضتيهما واكتفتا مرة بإشارات باهتة بالسبابتين وثانية بضم اليدين على طريقة (البوذيين) وثالثة بوضعهما على خديه الحسيرين في ذلة ومسكنة تقطع نياط القلوب.
انهار رمز القوة والجبروت بفعل أعوانه الفاسدين، فمن كان يتوقع هذا بعد (خطاب النصر) الذي حققه الرجل رغم الزلزال الرهيب الذي ضرب أروقة (الفيفا) قبل الانتخابات بأيام.
هذه الصورة (المقلوبة) فتحت أبواب التكهنات على مصارعيها، إذ يعتقد كثيرون أن الفوز الساحق والهزيمة القاسية لم يكونا إلا (صفقتين) متصلتين ببعضهما البعض، تقدمت الأولى على الثانية لإكمال إحكام الحبكة وإخراجها على نحو مثير.
لكن بعيداً عن الرواية الفانتازية المشوقة هذه، يحق لعشاق كرة القدم أن يطرحوا السؤال (هل في الأمر صفقة ما؟)..
خاصة وأن السلطات السويسرية أكدت أنها لم ولن تحقق مع بلاتر في هذه القضية, لكن بالمقابل فإن هنالك حيثيات أخرى ينبغي وضعها في سياق الاستقالة (المفاجئة) والداوية، فلربما تحسب الرجل لما سيتعرض له في (حقبته) الجديدة، من معارضة قوية خاصة من قبل اتحادات أوروبا وأميركا، علاوة على قضية الفساد الأمر الذي سيجعل إدارته لـ (فيفا) أشبه بالمشي على رمال متحركة، كما أن مكوث الرجل العجوز هذه السنوات الطويلة على رأس (فيفا) تجعله مملاً وباهتاً وقليل العطاء ومحاصراً، ففضّل أن يستقيل بعد أن انتصر لذاته بالفوز.
كل ذلك، بما فيه (نظرية المؤامرة) وما يترتب عليها من تحليلات تجعل الواقع والخيال صنوان متلازمان لا ينفي احتمال حدوث صفقة يستقيل الرجل بموجبها من منصبه مقابل بقائه بعيداً عن الاتهامات المتعلقة بقضايا الفساد، وفي نفس الوقت يجنب نفسه الملاحقة والمساءلة في قادم الأيام. وهذه المسائلة ربما تذهب به للسجن، لذلك آثر تقديم بعض التنازلات وإجراء بعض الصفقات مع السلطات القانونية السويسرية.
على أي حال، يستحق الأمر التأسيس عليه لبناء نظرية (سايكولوجية وسيسيولوجية) يمكن تسميتها بالـ (البلاترية الجديدة)، وهي نظرية قوامها تحليل الحالة النفسية والاجتماعية للذين يتصورون أنهم الأقوى والأحق بمنصب ما طوال حياتهم، لكن ينبغي لهذه النظرية أن تقدم توصية لـ(فيفا) يتم بموجبها منع هذه الحالات من تكريس نفسها في المنصب بتحديد (دورتين فقط) لا يحق لأحد بعدهما الترشح للرئاسة، حتى لا تصاب كرة القدم بما أصيبت به الدول.