جهاد الطلب وجهاد الدفع
كنتُ قد عرضتُ عدة مقالات للعلامة الشيخ محمد الغزالي.. أحد رواد مدرسة الوسطية في الإسلام، وها أنذا أواصل نشر بعض الحوارات التي أجراها الأخ الطاهر حسن التوم مع د. عصام البشير الذي أعتبره أكبر مفكري الوسطية في العالم في الوقت الحاضر. وسأعرض كل جمعة بعضاً من القضايا الفكرية التي يثور الجدل حولها من وجهة نظر ورؤية د. عصام الذي يحتل الآن مركزاً مرموقاً في اتحاد علماء المسلمين برئاسة العالم النحرير د. يوسف القرضاوي. وأعرض اليوم حديثه حول (جهاد الطلب وجهاد الدفع).
* هل ترى أن معظم جهاده صلى الله عليه وسلم جهاد دفع أم جهاد طلب؟
الجهاد كان لحماية الدعوة، إما لعدوان وقع أو عدوان متوقّع أو دعوة تمهّدت، وقتها كان الفرس والروم ومن دخل الإسلام وجد الإيذاء منهم، كانوا مستضعفين وكان لابد من حمايتهم، فجيّشوا الجيوش وعبأوا كل هذا ليخلخلوا هذه الدولة المسلمة الوليدة، فأرادت أن تحمي نفسها. واليوم حين نتحدث عن كل مجموعة من الشباب اجتمعوا وقرروا حمل السلاح، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر دون تقدير لهذه المآلات، كل تاريخ المسلمين..
* (مقاطعة)، وماذا يفعلون مع العدو؟
سأوضح لك، من الحسين عليه السلام، ومن خروج عبد الرحمن بن الأشعث وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي على الحجاج بن يوسف والنفس الزكية، محمد بن عبد الله بن الحسن، معظم تجارب الخروج المسلح كانت النتيجة أن المفاسد لا خير يُرجى منها، هذا في تاريخ الأمة الإسلامية. ولذلك أعتقد أن النهج السلمي هو الأفضل وإن طال أمده، فليس مطلوباً منا أن نقيم نحن الدولة الإسلامية. فالفكر الإسلامي الحديث عظّم من دور الدولة الإسلامية، والأصل المجتمع والأمة، والدولة يمكن أن توجد ويمكن أن تغيب، والذي حفظ الأمة حين انحرف الحكم في تاريخها هو المجتمعات والأمم التي أقامت التكافل الاجتماعي والعلم.
* أهذا رد فعل؟
لا.. هذه قراءة صحيحة للتاريخ، لو كان أمر الأمة كله منصباً في الحكم لانحرفت الأمة بانحراف الحكم، ولكن انحرف الحكم بظلمه وطغيانه وفساده واستبداده وظلت الأمة حية بعلمائها وأوقافها وتكافلها، وهي التي صنعت الحضارة. نحن عظّمنا في الفكر الإسلامي من دور الدولة وأرى أن تكون وظائف الدولة ضيّقة والوظائف التي تتسع هي وظائف المجتمع، حينما يكون المجتمع هو الأقدر على حمل وظائفه والدولة يكون دورها دور التنظيم في حدود ضيقة، ولكن حين نأتي لهيمنة الدولة على كل مفاصل الحياة فمعناه أن الأمة تموت بموت الدولة.
* التيارات الجهادية لا حلم لديها حالياً في إقامة الدولة المسلمة، وموضوعها النكاية بالعدو وإضعاف العدو الإقصائي الموجود في ديار المسلمين وتكبيده الخسائر واضطراره للخروج من بلاد المسلمين؟
كل حكم شرعي مربوط بعدة أحكام، منها أن التكليف على قدر الوسع والطاقة، “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ” (سورة التغابن، الآية: 16). ثانياً صور الحرب اليوم ما عادت في جيشين يلتقيان ويلتحمان، أصبحت هناك الحرب الباردة والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والنفسية والإلكترونية، تعدّدت صور الحرب، وقدرتك أن تقيم مجتمعاً يملك من أدوات القوة المادية والمعنوية، والذي يريد أن يقيم أمة تجابه هذه العداوات الغربية بكل أشكالها يعمل على إحياء دور القوة في الأمة وأن تتكامل الأمة.
(التترس: نكاية في العدو أم الأمة؟)
* الأمة جيوشها معطلة، والنكاية بالعدو أجبرته على الخروج من العراق فخرج مرغماً ذليلاً، والآن يخرج من أفغانستان؟
أريد أن أسألك: هل أحداث 11 سبتمبر 2001م حققت مفهوم النكاية بالعدو؟ وما الذي ترتب عليها؟ ترتب عليها تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، وترتب عليها تجفيف منابع العمل الخيري في العالم الإسلامي حتى أصبح رجال البر والإحسان يدقق حسابهم على المستوى الشخصي ويستخفي من إنفاقه ودعمه للعمل، وطورد الدعاة، واستغلت فرصة ضخمة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
بعض الشباب يقول إن الدليل على الجوانب الإيجابية لأحداث سبتمبر أن عدد من دخل الإسلام ازداد، وهذه ليست حجة، فالله تعالى في حادثة الإفك يقول: “لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (سورة النور، الآية:11) بمعنى أن من أقدار الله تعالى أن يجعل في طيات بعض المحن منحاً، فهل هذا دليل على مشروعية الفعل؟ هل هذا دليل على صحة مشروعية الإفك؟ القرآن سماه إفكاً ومع ذلك قال “لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ” ، وهو ليس دليلاً على أن الإفك شيء طيب. فإذا كان دين يقول: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”، فكيف آتى وأضرب وأستهدف بعض الناس الآمنين وبعض الناس المسلمين؟! ينبغي أن نفرق بين الشعوب والحكومات.