غندور في الخارجية.. اختيار مزبوط
اختيار بروف غندور لتولي منصب وزير الخارجية بالنسبة له لا يعني بداية تجربة جديدة تحتاج منه لفترة تهيئة واستعداد كي يفهم خفايا أو تفاصيل غائبة عنه أو غريبة على مساعد رئيس الجمهورية السابق ووزير خارجية السودان منذ ظهر أمس.. بل امتداد طبيعي ومواصلة لدور فعال ومثمر ظل يقوده بروف غندور من موقعه السابق واستطاع أن يحقق به ما عجزت وزارة الخارجية عن تحقيقه على مدى عقدين من الزمان.. غندور يدخل برج الخارجية الأبيض ليكمل العمل الذي باشره منذ وجوده داخل قصر الرئاسة والذي استطاع به وبسهولة أن يكسر ولأول مرة قفل العلاقات السودانية الأمريكية والتي كان مفتاحها قد ضاع في بداية عهد الإنقاذ.
ولو أجرينا مراجعة لمسار سياسة السودان الخارجية في الفترة الأخيرة، فإننا يجب أن نربط بشكل وثيق بين تاريخ دخول بروف غندور كابينة القيادة في القصر مساعداً لرئيس الجمهورية وبين التحولات الكبيرة التي شهدتها العلاقات الخارجية في الفترة الماضية.. سواء كان ذلك على مستوى تصحيح أوضاع علاقات السودان الإقليمية مع الجوار العربي أو على مستوى علاقات السودان مع الولايات المتحدة ودول الغرب والتي كان هذا النطاس البارع قد أعمل إبار علاجه الطبيعي في أعصابها وأربطتها المتيبسة منذ سنوات لإزالة الشد والتمزق العضلي والعصبي الذي ظل يعوق كل محاولات رفع مؤشر تلك العلاقات من مكانه درجة واحدة أعلى الصفر.
غندور هو القيادي الدبلوماسي رقم واحد في المؤتمر الوطني قبل أن يتولى ملف الدبلوماسية أمس، رجل يحمل معاول الدبلوماسية الناعمة والجريئة في نفس الوقت يقول ما يجب أن يقال بكل هدوء واتزان، في وقت كان يضطر فيه الآخرون لبعثرة كل ما حولهم من أشياء مرتبة في سبيل التأكيد على موقف محدد أو الإعلان عنه بكلمات في الإعلام.. غندور يعرف كيف يستهدف الألم في موضعه المحدد فقط حين ينوي إزالته، لا يعترف بعمليات البتر والقطع والطرد وتدمير العلاقات في سبيل بناء أخرى أو في سبيل التأكيد على مواقف محددة.. مفوه و صبور وحكيم ومقنع ويمتاز بذكاء سياسي عالٍ.
غندور من القيادات الإسلامية التي تتميز بالحرص على كسب الآخرين، يحسب كلماته بميزان الذهب، مفاوض بارع وشخصيته مريحة ومقبولة للجميع، يجد ألف خيار وألف مدخل لحلحلة القضايا الشائكة دون إيذاء الآخرين برذاذ الزبد أو شظايا الكلام.
موفقٌ.. هذا الاختيار، فالرجل الذي فعل الكثير جداً من الإنجازات في ملف العلاقات الخارجية داعماً ومخططاً ومساعداً للوزير من موقعه كمساعد لرئيس الجمهورية نتوقع الآن لتجربته القادمة أن تشهد فتوحات كبيرة في علاقات السودان الخارجية ونقلات هائلة على مستوى العلاقات مع أمريكا ودول الغرب بشكل أخص.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.