يوسف عبد المنان

التوقيت الخاطئ


قرعت أجراس المدارس أمس(الأحد) إيذاناً ببداية العام الدراسي الجديد في مناخ شديد الحرارة تصل فيه درجات الحرارة لـ(45) درجة في منتصف النهار.. وفي غياب حكومة ولاية الخرطوم  التي عين الجنرال”عبد الرحيم محمد حسين” في هجعة ليل (السبت) .. ووزير التربية بولاية الخرطوم (محلول) بلا سلطة، ولا يعرف هو مصيره.. هل يبقى أم يذهب.. وقبل (10) أيام فقط من حلول شهر رمضان .. ولكل من العام الدراسي وشهر رمضان قصة طويلة مع ذوي الدخل المحدود والأسر التي تعاني في الحصول على الخبز حافياً، ولا تجد ثمن رطل اللبن وتفاجأ بالعام الدراسي الذي هو بند ضخم في ميزانية الأسر، إن وجدت ميزانية في الأصل.. فالسودانيون يعيشون على رزق اليوم باليوم.. والاستدانة من الدكاكين.. والمعارف والإخوان والأصدقاء. ويغدق المغتربون في السابق على ذويهم بعض المال لإعانتهم على مجابهة صروف الحياة القاسية في السودان، لكن المغتربين الآن ساءت أوضاعهم وتبدل رغدهم إلى شظف، وأصبح بعضهم تجار شنطة وسماسرة ومضاربين في الريال والدولار.. وعندما قرعت أجراس المدارس أمس كان مشهد الأسر ضاجاً بالحيوية والحميمية.. الآباء والأمهات خرجوا للمدارس للاطمئنان على مقاعد في الفصول الدراسية وكتب وكراريس وترحيل وملابس .. شيخ كبير في السن ينتظر المواصلات وعلى يمينه طفلة وعلى شماله طفل.. والحافلات اختفت وبصات الوالي تقف في طلمبات الوقود بحثاً عن الجازولين الذي يشهد شحاً في أرض الواقع، وحالة إنكار حكومي لوجود نقص في الوقود.. آلاف التلاميذ خرجوا منذ الصباح إلى المدارس التي فتحت أبوابها.. في توقيت خاطئ.. كان يمكن إرجاء بداية العام الدراسي حتى منتصف يوليو القادم لينصرف فصل الصيف، ويحل الخريف بكل مشكلاته.. لكنه بالطبع أخف وطأة على التلاميذ والطلاب من فصل الصيف، والحرارة المرتفعة ومخاطر تفشي الأمراض.. وضربات الشمس.. عطفاً على تذبذب التيار الكهربائي هذه الأيام والتخفيف على الأسر قليلاً.. لكن تقديرات وزارة التربية الخاطئة جعلت جزءاً من فصل الصيف وكل الخريف عاماً دراسياً، ليفقد الآباء والأمهات في الريف سواعد الأبناء في فصل الخريف، حيث الزراعة والإنتاج.. وفي سنوات مايو كان هناك تقويمان يبدأ العام الدراسي في المدن في شهر يوليو وينتهي في مارس.. ويبدأ العام الدراسي بمدارس الريف والرحل ومناطق الإنتاج الزراعي في أكتوبر وينتهي في يونيو.. ولكن كان يقف على وزارة التربية والتعليم د. “محي الدين صابر”.. ود. “منصور خالد”. والآن أصبحت وزارة التربية خاضعة للموازنات والترضيات والتعويضات.. وكم من وزير يفتقر لمعرفة أبجديات التربية في الولايات قد أسندت إليه الوزارة في غفلة من الزمان يفعل بنا ما يفعل.. وتغلق السلطة الولائية بالخرطوم (30) مدرسة خاصة بحجة أنها غير مطابقة للمواصفات، وهناك أكثر من مائة مدرسة حكومية لا تصلح من حيث المبدأ أن نطلق عليها صفة مدرسة. وقد فتحت  الزميلة “هبة محمود” من خلال تقريرها المنشور في صحيفة (المجهر) عدد أمس (الأحد) الباب لينفذ  الضوء إلى مزاعم ولاية الخرطوم عن اكتمال استعدادها للعام الدراسي الجديد.. وكيف يكون حال التعليم في الولايات إذا كانت صور مدارس ولاية الخرطوم يندي لها الجبين خجلاً.
قرعت الأجراس وعاد التلاميذ للمدارس رغم حرارة الشمس  وسوء المناخ وضعف الاستعداد وغياب الحكومة الولائية؟ ولكن يبقى الأمل في تجاوز عثرة البدايات في مقبل الأيام.

 

 

المجهر السياسي