الطاهر ساتي

الحرس القديم ..!!


:: الشيخ فرح ود تكتوك، محبوب الشعب الذي نضرب بحكمته الأمثال والحكم، كان ورعاً وبليغاً ولماحاً، وكان يُسخر كل تلك الفضائل في حل قضايا الناس..جاءته ابنته ذات يوم غاضبة من زوجها وعازمة على الطلاق منه، ولكن الشيخ لم يجبها وقابلها باللامبالاة.. وبعد أن هدأت قليلاً، طلب منها بأن تناوله أبريقه ليقضي حاجته، فناولته.. وذهب الشيخ بالأبريق الي الفلاة وقضى حاجته ثم عاد ورمى الأبريق وكسره، وجلس يبكي الأبريق المكسور..فاستغربت الإبنة من بكاء الشيخ في ( مجرد ابريق)..ولكنه أزال الإستغراب مخاطبا إبنته : ( كيف لا أبكيه؟، هذا الأبريق كان رفيقاً و رأى عورتي).. فاستوعبت الابنة الدرس البليغ، وعادت الى ( بيت زوجها)..!!
:: وهكذا العلاقة بين بعض الأنظمة وكوادرها، أي كما علاقتنا بالأباريق التي ضرب بها شيخنا ود تكتوك (المثل العميق)..وعلى سبيل المثال الراهن، والمتجلي في شكل الحكومة الجديدة ومراحل تشكيلها، فالحكومة لم – ولن – تستغنى عما نسميه ب(الحرس القديم)، فهم كما الأباريق للحكومة وعوراتها..نعم غادروا المواقع التنفيذية الظاهرة للناس والإعلام، ولكنهم لم يغادروا مطابخ (صناعة القرار)..إجتماع الخميس – المكتب القيادي للحزب الحاكم – لم يفلح في تشكيل الحكومة، وهذا لم يحدث طوال حكومات الربع قرن الفائت..فأعلنوا الجمعة إجتماعاً آخر، ثم تم التأجيل إلى السبت للمزيد من (التشاورات)، وهذا أيضاً ظاهرة جديدة..ثم كان إجتماع السبت الذي شكل حكومة غير تلك التي كانت في خاطر صناع (الحكومة السابقة)..!!
:: وعليه، مخاض ما قبل ميلاد الحكومة يكشف قوة وتأثير الحرس القديم المسمى بالمكتب القيادي..وكذلك ملامح التشكيل الأخير أيضا، فالملامح تكشف بوضوح تطبيق نظرية (ما فيش حد أحسن من حد)، أي يجب أن تسعنا جميعاً أو يجب أن نغادرها جميعاً، أوهكذا كان لسان حال (الحرس القديم)، وقد كان ( غادروا جميعاً)،ولكن مع بعض الإستنثناءات التي فرضت (نفسها)..وهنا يبقى السؤال المهم إن كان تأثير الحرس القديم – ومكتبهم القيادي – سوف يتواصل بحيث يؤثر في برنامج الحكومة أم لا؟.. قادمات الأيام حبلى بالإجابات التي ترضي الحرس القديم بالمكتب القيادي أو بالمفاجآت التي تؤكد – بياناً بالعمل – وصف ( الحرس القديم)..إحتواء أو إنقلاب، وليس هناك خيار آخر بحيث يحدد شكل العلاقة ما بين الحكومة وحرسها القديم بالمكتب القيادي للحزب..!!
:: والمهم، أي ما سبق شأن يغنيهم، وما يغني الشعب والبلد هو البرنامج وليس الشخوص ومناصبها و(مكاتبها التنظيمية)..ماهو برنامج هذه الحكومة خلال الخمس سنوات القادمة؟..يجب ألا يكون لها برنامجا غير ما تحلم به الناس والبلاد..أي ما لم يحل السلام محل الحرب بالنيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، وما لم يحل التنافس الشريف بالأفكار والبرامج محل التحارب بالرصاص، وما لم يشعر كل أهل السودان – بمختلف أحزابهم وحركاتهم وجماعتهم – بأنهم سواسية في الحقوق والواجبات، فان أية حكومة جديدة بمثابة إعادة إنتاج ( حكومة قديمة)..فالمطلوب – لتصبح حكومة جديدة – هو الإعتراف بالآزمات وحلها بما يرضي أطرافها، ثم الإعتراف بالآخر بحيث يشارك في صناعة حاضر ومستقبل بلاده، أي كما يفعل الحرس القديم بالحزب الحاكم حالياً..!!