إبراهيم أحمد عمر والدور المرتقب للبرلمان
لم يلفت نظري في التشكيل الوزاري الأخير غير ما حدث من تعديل في منصبيْ وزيريْ الخارجية والعدل بما للمنصبيْن من تأثير هائل على مستقبل السودان إن تحرك الوزيران بفاعلية يتيحها الموقعان الكبيران على المستوى المحلي والدولي وتحرك معهما القرار السياسي بما يمكنهما من لعب ذلك الدور المنتظر منهما.
مما لفت نظري كذلك خارج التشكيل الوزاري بعض التعديلات على مستوى الحكم الاتحادي وأعني ولاة الولايات، لكن قبل ذلك أرجو أن أقول بعض الكلمات حول البرلمان والدور المنتظر منه خلال المرحلة القادمة.
أقول إننا ظللنا ندندن منذ زمن حول التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والممارسة الديمقراطية التي ما انخرطنا في الحوار الوطني قبل الانتخابات استجابة لدعوة رئيس الجمهورية إلا من أجل إرسائها على أسس راسخة تنهي الدائرة الشريرة أو الخبيثة “Vicious cycle” بين النظامين العسكري والديمقراطي لتستقر بلادنا على الديمقراطية بكل مطلوباتها التي لطالما تعاركنا حولها، ذلك أن أكبر مكتسبات الديمقراطية إتاحتها للتداول السلمي للسلطة وقيامها على مبدأ فصل السلطات بحيث يمارس البرلمان دوره الرقابي على السلطة التنفيذية باعتباره ممثلاً للشعب صاحب السلطة الفعلية والحاكم الحقيقي الذي يفترض أن الجهاز التنفيذي خادم له وليس سيداً عليه.
هنا يجدر بي أن أقول كلمات في حق بروف إبراهيم أحمد عمر بين يدي اختياره رئيساً للبرلمان في دورته الجديدة، ذلك أن الرجل مشهود له بالزهد والتجرد والتديّن العميق ولم يغير أو يبدل وظل، رغم تقلبه في المواقع الدستورية، مقيماً في بيته المتواضع (نسبياً) بأم درمان لم يرحل منه إلى القصور التي ما استعصى اقتناؤها على شباب صغار عبّوا من الدنيا وزينتها وغرفوا، ولكن رغم ذلك يحق لي أن أقول إن أمانة التكليف تقتضي أن يأخذ البروف المنصب بحقه وإلا فإن الله سائله عن الأمانة التي ينبغي أن يعلم أنها أثقل من أن تحملها السماوات والأرض والجبال وأنه حملها وسيكون مسؤولاً عنها يوم يقوم الناس لرب العالمين.
بروف إبراهيم يعلم أنه المعبِّر الأول عن الشعب كونه رئيساً لممثلي الشعب وبالتالي عليه أن يعلم أننا سنقاضيه يوم الحساب إنْ هو انصاع بالباطل للسلطة التنفيذية التي ينبغي أن تخضع للشعب ممثلاً في برلمانه المنتخب.
إنه حديث تشيب لهوله الولدان أخي إبراهيم ينبغي أن يجعلك تتذكر مقولة الفاروق عمر بن الخطاب حين كان يبكي حتى تبتل لحيته ويقول: (يا ليت أم عمر لم تلد عمر).
لا ينبغي لوزير مهما علا شأنه أن يعتذر عن استدعاء ممثلي الشعب بما يعني أن على البروف أن يستعيد هيبة البرلمان ذلك أن البرلمان لا ينبغي أن يكون مجرد ند للجهاز التنفيذي إنما حاكماً ورقيباً عليه.
خطاب الرئيس البشير طمأننا بإنشاء مفوضية للشفافية ومكافحة الفساد وهذه ينبغي أن تُدعم من البرلمان سيما وأن مكافحة الفساد جزء لا يتجزأ من مهام البرلمان الذي ينبغي أن يتحقق من مدى صحة مزاعم منظمة الشفافية الدولية حول مكانة السودان القابع في قاع العالم مع دولتين أخريين، وعلى الأخ إبراهيم أن يرحب بالزيارة المرتقبة للمنظمة الدولية ويعلم ما تنطوي عليه تقاريرها بما يعين البرلمان ومفوضيتنا الوطنية على كبح جماح الفساد ويرفع من قدر السودان في التقارير المستقبلية للمنظمة الدولية.
على البروف أن يطلع على تجربة البرلمانات الغربية الراسخة في الممارسة الديمقراطية ويفيد من لوائحها خاصة فيما يتعلق بالإجراءات والنظم التي تعمل بها اللجان البرلمانية وعلاقتها بالجهاز التنفيذي ذلك أن العالم أجمع اقتنع بأنه ليس أفضل من الديمقراطية لتحقيق النهضة والحكم الراشد.
ليس البرلمان وحده هو المسؤول عن الرقابة على السلطة التنفيذية إنما هناك سلطة أخرى لا تقل أهمية هي الصحافة التي ينبغي أن توفر لها الحرية لتصدع برأيها دون الرضوخ لغير سلطان القانون والقضاء، وهنا يتعيّن على البرلمان أن يعلي من شأن الدستور والقانون باعتباره حفيظاً عليه بالنظر إلى أنه السلطة التشريعية العليا وذلك ما يلقي عليه مسؤولية إقامة دولة القانون ومنع التغول على الدستور وبالتالي فإن جميع الأجهزة ينبغي أن تكون خاضعة لمساءلة البرلمان في عهده الجديد تحت قيادة رجلٍ نحسب أنه يخشى الله ولا يخشى أحداً غيره ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
فيما يتعلق بالجانب التشريعي فإن على البرلمان أن يرفض أن تُمرر الاتفاقيات والقوانين بالمراسيم الجمهورية استباقاً لانعقاد البرلمان مثلاً بل أهم من ذلك عليه أن يتحقق من الجوانب الشرعية في تمرير القروض اتقاء لشر الربا وما أدراك ما الربا الممحوق والمحارَب من الله ورسوله بنص القرآن الكريم.
كنت أظن أن الأستاذ علي عثمان محمد طه هو الأحق برئاسة البرلمان بالنظر إلى أنه قانوني، هذا فضلاً عن تمتعه بصحة أوفر من تلك التي ينعم بها بروف إبراهيم، لكني أثق في أن جوانب أخرى في البروف تجعله أكثر فاعلية وقدرة على منح البرلمان الدور المرتجى منه كرقيب على الجهاز التنفيذي وعلى تحقيق الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى وإن كان معظم النواب منتمين للحزب الحاكم وهو أمر، للأسف الشديد، يضعف من سلطة البرلمان أمام الجهاز التنفيذي.