جمال علي حسن

عبد الرحيم.. خارج الحصن الحصين


هناك نوع من المناصب السيادية والوزارية تحصنها الأعراف والقوانين عن سهام النقد الصحفي المباشر، هي مناصب منيعة بحسب طبيعة عملها الأمني والعسكري التي تجعلها وتجعل مؤسساتها جميعاً خلف الخط الأحمر السيادي في البلاد، وتجربة الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين أحد أبرز أقطاب الحكم في مركز قيادة البلد منذ عام 1989، ظلت كل تجاربه السابقة تدور داخل هذا الفضاء الحصين.. فهو الوزير الأسبق لوزارة الداخلية حتى عام 2005 حين تقدم باستقالته وبقي خارج الحكومة لفترة قصيرة بعدها تم تكليفه بوزارة الدفاع لسنوات طويلة ظل خلالها ممسكاً بالملفات العسكرية والعديد من الأمنية في البلاد، حتى صدر قرار تعيينه الأخير والياً لولاية الخرطوم في التشكيل الوزاري الجديد.
ومنصب والي الخرطوم هو أكثر مناصب الدولة تعقيداً واحتكاكاً بقضايا وهموم المواطنين الأمنية والخدمية والتنفيذية والسياسية أيضاً في ولاية مترامية الأطراف ومتناسلة المشاكل، لا حصانة لمسؤولها التنفيذي الأول من سهام النقد السياسي والإعلامي إلا بإنجازاته ونجاحاته في تحقيق رضا المواطنين.
والوالي عبد الرحيم لم يتسلم أمر الولاية وهي متعافية أو حتى في طريقها للشفاء، بل تسلمها وهي في غرفة I C U .. بين هجير الصيف ووعيد الخريف، وبين ضعف التخطيط وتخبط التنفيذ..
طابور من الأزمات المُرَحَّلة من الماضي تنتظر الوالي عبد الرحيم بعضها تحولت إلى أزمات فلكلورية باقية من الأزل مثل أزمة مياه الشرب وصراعات الولاية مع الحكومة الاتحادية في بعض ملفات الخدمات وخاصة ملف الصحة.. والصحة وحدها قصة طويلة من قصص ألف ليلة وليلة في ولاية الخرطوم..
كثيرون يعتبرون أن أكبر تحد أمام السيد والي الخرطوم الجديد يتمثل في قدرته على أداء الدور السياسي المطلوب منه بحسب منصبه واستبدال البزة العسكرية التي يرتديها بالجلباب السياسي والتنظيمي الذي يقتضيه وضعه الجديد باعتبار أن الرجل سيكون هو رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم.. لكنني لا أعتقد أن ذلك الأمر مهم لهذه الدرجة بقدر متطلبات منصبه الأخرى التنفيذية وقدرته على معالجة المشاكل الخدمية المزمنة في الولاية وتحقيق رضا المواطنين.
ولو كان والي الخرطوم السابق دكتور عبد الرحمن الخضر يتمتع بقدرات سياسية كبيرة بحكم خبرته الحزبية والتنظيمية فإن والي الخرطوم الأسبق دكتور عبد الحليم المتعافي لم تكن شخصيته شخصية سياسية بالدرجة الأولى ولم تكن له اهتمامات تنظيمية كبيرة بل وجه جل اهتمامه نحو التخطيط والعمل التنفيذي، اختلف الناس أو اتفقوا مع الرجل لكن ليس من الممكن إنكار ما حققه المتعافي من إنجازات خلال فترة توليه حكم الولاية.. واختلف الناس أو اتفقوا على شخصية الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين فإن تجربته العملية واختيار البدايات الصحيحة والطاقم المناسب تلك الأشياء ستحدد عمق التفكير ومدى الرؤية.