( حكومة شحمانة )
:: ذات عام، جاء العم بابنته إلى الخرطوم – مكرها – ليلحقها بإحدى الجامعات، وكانت تلك زيارته الأولى لعاصمة البلد، فهو من المرابطين بالقرية رغم جفاف الزرع والضرع، وشح الخدمات..وخرجنا ذات صباح في إطار برنامج سياحي ليعرف بعض ملامح ومعالم الخرطوم، وساقتنا خطى القدر إلى السوق العربي ساعة الذروة و زحامها الذي أدهش العم وأرغمه على التساؤل : ( يا إبني الناس ديل بالليل بينوموا وين؟)،فأجبت ضاحكا : (في بيوتهم)، فأردف سائلاً : ( لا أنا قصدي كيف الحكومة بتكفيهم عناقريب وسراير كيف؟)..فضحكنا على نواياه الطيبة التي تظن بالحكومة خيرا، فالمسكين لايعلم أن هذا الزحام البشري هو من يوفر المرقد الوثير لسادة الحكومة ..!!
:: المهم ، تذكرت حيرة العم ثم احترت مثله أمام قوائم السادة الوزراء ووزراء الدولة الذين تم اختيارهم لحكومة الخمس سنوات القادمة، وتساءلت كما العم : ( كيف الحكومة ح تكفيهم مكاتب وعربات ومرتبات وحوافز ونثريات؟).. تساءلت ثم تذكرت فجأة، نحن الشعب الفضل – وليس الحكومة – من يوفر كل تلك التكاليف لهذا ( الفيلق الحكومي)..فالقائمة أطول من صبر الناس في بلادنا، وعندما تختمها بالأسماء الأخيرة تكون قد نسيت أوائل الأسماء ، فتبدأ تذكير ذاتك من (أول وجديد ).. (31 وزير)، (33 وزير دولة)، سبحانك ربي، ماذا يحكمون ويديرون في دولة تستورد حتى (قوت شعبها).؟.. لو لم يكن قرار تعينهم سودانيا، وخاصا بالدولة السودانية، لحسب أي سامع للنبأ أن هذا الفيلق الوزاري مراد به إدارة الشأن السودان و كل (دول الجوار)..!!
:: هذا يُرهق المواطن و يهدر موارد البلد، و ليس من الرشد والترشيد الإداري أن يُولد مجلس الوزراء ووزراء الدولة بكل هذا الترهل.. وبمناسبة المرافق ، مدير عام الطيران المدني كان قد ذكر ذات يوم بأن الهيكل الوظيفي بمرفقه يشمل خمسة وعشرين ترزيا ، على سبيل مثال الترهل ..أمريكا التي تحكم العالم تشكل حكومتها رئيس و نائب رئيس و ( 13 وزيراً)، أما نحن – ناس عايزين حصتنا من الوزارات- نملأ مجلس الوزراء بكل من يأنس – ولا يأنس – في نفسه الكفاءة ، لترضية القبائل والعشائر والجماعات والشخصيات المسماة بالنافذة وأحزاب عضويتها في الشارع العام لا تملأ ( تلاتة لواري)..هذا التشكيل، كما التشكيل وزاري الفائت، يهضم الكثير من حقوق المواطن وينتهك موارد بلده بالمزايا والإمتيازات..!!
:: وكأن هذا لا يكفي ترهلاً، فالبرلمان يطالب بالمزيد..نقرأ الخبر ..(أجازت اللجنة البرلمان الطارئة زيادة عدد اللجان من (12 لجنة) إلى (20 لجنة)، لتقابل عمل الوزارات المتزايد)، هكذا المزيد من الترهل و الصرف الحكومي غير الراشد على المسؤولين..رئيس اللجنة بالبرلمان بدرجة الوزير الإتحادي، ونائب رئيس اللجنة بالبرلمان بدرجة وزير الدولة بالوزارة..وهذا يعني كما في الجهاز التنفيذي (64 وزير ووزير دولة)، فالبجهاز التشريعي أيضا (40 وزير و وزير دولة)، و( الكتوف متلاحقة)، لترهق كاهل المواطن المطالب بتوفير تكاليف ( مرقدهم الوثير)..إن لم تنفع فلا تضر، كان يجب أن يكون شعار التشكيل الجديد للمجلسين..!!