الوداع بالكلمات
غادر بعض الولاة الجدد لاستلام مواقعهم حكاماً على الناس تعلو وجوههم الابتسامات والآمال العراض والدنيا قد ابتسمت لهم وأقبلت عليهم .وقديماً قال الإمام “الشافعي” رحمة الله عليه:
إذا أقبلت الدنيا على امرئ أعارته محاسن غيره
وإن هي أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه
الذين أقبلت عليهم السلطة والدنيا والمجد تعلو وجوههم النضارة والبشر. ينظرون إلى الواقع بعين الرضا وهي عن كل عيب كليلة.. والمغادرون مواقع السلطة والجاه، والصولجان والمال وكل شيء، في النفس حسرة وألم.. ولكنهم يتشبثون بالأمل ربما يعودون يوماً وتصفوا الأيام بعد كدرتها وكل دور إذا ما تم ينقلب.. يغادر “محمد طاهر أيلا” والياً للبحر الأحمر سابقاً والجزيرة حالياً، البحر المالح وهو ينظر إلى مدينة جلب إليها المجد وكساها بثياب الفخر ويقول:
جيت أوادعك يا بورتسودان ما خلاص شديت رحالي
جيت أقول ليك لما أرحل أبقي عشرة على دياري
كل يوم أديها طلة وقوقي لي أمي وصغاري
وحينما يصل “محمد طاهر أيلا” لود مدني ، مدينة الفن والثقافة والعلم والأدب التي تعيش منذ سنوات طويلة حالة من (التوهان) وجدها تغني مع ابنها “محمد الأمين”
نحن ماصدقنا إنك بي جلالك جيتنا زائر.
لكن الوالي “محمد يوسف” الذي خيبت فترته القصيرة الآمال، له في ود مدني عشق وحب مقيم لذلك ظل لسانه يردد:
لا الزمن حولني عن حبك ولا الحسرة
وخوفي عليك يمنعني وطول الألفة والعشرة
وشوقي إليك من طول لسة معاي
ولي بكرة
والشوق لود مدني مثل شوق القضارف للتغيير وتبديل حكامها الجنرال “الضو الماحي” بالمهندس “ميرغني صالح”.. وقد كان الجنرال المجاهد “الضو الماحي” يمني النفس بالعودة لأرض المطر.. والدعاش والزراعة.. والإنتاج ولسان حاله يقول:
عبرت ملامحك النضيرة خاطري
فهتفت ليتك لا تزال..
للريح قمرك وللمساء وللظلال
والبرق لي والرعب والسحب الخطاطيف الطوال
تروي هجير النار تحت أضالعي الحري
وتلتحف السؤال
لكن “ميرغني صالح” الوالي الجديد يقرأ التاريخ القديم ويتذكر تهجير أجداده في ستينيات القرن الماضي من وادي حلفا على أرض البطانة ،التي هي جزء من ثلاث ولايات الآن، شيء من القضارف وأرض من كسلا .. وقليل من نهر النيل .. ولأن البطانة اليوم تبحث عن مهندس لينهض بها .. ولن تغني بلسان الشكري الذي رفض تهجير الحلفاويين لأرضه فقال:
حليلك قبيل وكت الحكم بالليد
وفيك المعقر الكلس الجهامو جريد
قبال الابيتر يخت راسو صعيد
ماشقاك حلفاوي وترولي حديد
ومن “الفولة” أرض المسيرية يغادر الجنرال “أحمد خميس” السلطة ، وهو غير مصدق أن الأيام بين الناس دول، ومن سره زمن ساءته أزمان. والجنرال يعاوده الحنين إلى بلد تغني بلسان “عبد الرحمن عبد الله”:
بحن لي شعبة وقوها
ونغيم نقارة دقوها
وبحن لي صفقة المردوم
وللسمحة البمرقوها..
وقد تفاجأ الجنرال بانهيار مملكته .. وضاع حلم أن يبقى طويلاً في ديار المسيرية وأصبح لسان حاله يقول:
مديت على الأمل القريب أشواق كتيرة وقصرت
لا بتعرف الزول البجيك ولا البجيك بيعرفك.
ولأن “آدم الفكي” من جنوب كردفان فقد جددت فيه القيادة الثقة وحملته مسؤولية إدارة الولاية الثانية بعد الخرطوم من حيث الكثافة السكانية.. ولكنها ولاية تفيض بالمشكلات الأمنية والتعقيدات المجتمعية فإن ابن مدينة كالوقي يستعد الآن لرحلة لقلب مدينة نيالا البحير ولسان حاله ينشد نغماً عذباً.
البارح أنا وقصبة مدالق السيل
في ونسة وبسط لمن قسمنا الليل
وكتين النعام انشقلبنو الخيل
لا جادت ولا بخلت علي بالحليل.
وبعيداً عن “نيالا” .. فإن “خليل عبد الله” أحد جنود الإنقاذ حينما تلدهم الخطوب.. وتتعثر الخطى.. ويبحث “البشير” عن سداد ثغر ،فإن “خليل عبد الله” الذي كان قريباً من العودة إلى سنار يجد نفسه في أرض الأساطير.. والفقرا.. والسلاطين.. والشراتي.. والمكوك والأمراء.. حاكماً على الجنينة بلد أبو وعلي أردمتا.. وعلي فوربرنقا.. ويبسط له المساليت جناح المودة.. ويهتف له الأرنقا.. والماهرية وخزام والقمر.. البرقو والفلاتة والأماني العذبة بناء ولاية ووطن شامخ.. ولسان حاله يقول:
بنبنيه البنحلم بيه يوماتي
وطن شامخ وطن عاتي
وطن خير ديمقراطي
ويحملنا قطار التغيير شمالاً إلى “الفاشر” عاصمة مملكة الفور.. ومقر السلطان “علي دينار” التي غادرها أميرها وفارسها “عثمان كبر” ولسان حاله أقرب للشاعر الليبي “أحمد رفيق المهدوي” حينما أخرج من بلاده فقال:
خرجت من موطني مثل الطريد
فما ودعت خلاً ولا أدركت ثاراتي..
ويدندن “عثمان كبر” برائعة “وردي” لمدينة الفاشر التي عاش وعاشت معه قصة حب طويلة يرويها للأيام وهو يقول:
تعيش بالحسرة ونتأسف
على الماضي الما برجع
أحبك ولا الزمن حولني عنك
ولا الحسرة
والقادم الجديد من قلب دار حمر المهندس “عبد الواحد يوسف” ينظر للفاشر وتضاريسها بالليل باريس وبالنهار (أباليس) وعرش السلطان بات ملكاً له وينشد فرحاً:
البراق برق من الفاشر وغادي
والموسيقى ضرب مرقت عناق الوادي
البلد القطعو زي تفصيلة العراقي
غطيني أنوم مرض الحبيب ما بعادي
ولكن الخرطوم ودعت “عبد الرحمن الخضر” بالدموع واستقبلت الجنرال “عبد الرحيم محمد حسين” بالأمل.. و”الخضر” الذي أوفى العهد وكان رءوفاً رحيماً بمواطني ولايته.. خرج من السلطة التنفيذية ولسان حاله يقول:
أنا الجبت الفرح بالليل وخانوني التمرجية
وقبض “عبد الرحيم” على مفاصل السلطة في الخرطوم وهو يغني للخرطوم.
من يوم نشأتي
تقديسك شعاري
وحبك نشوتي