عبد الجليل سليمان

هرطقات وسفسطات المثقفين

ومحيي الدين اللاذقاني الكاتب والشاعر السوري الكبير يتماهى مع خطاب السياسيين الذين انتجوا الحرب هناك فيتعثر، قبل أن يصبح (هرطوقياً) كامل الدسم ومُحْدِثاً بالِبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ، أليس هو القائل: “إن باراك أوباما ابن رجل كيني شيعي، وكل ذكريات الرجل الذي يحكم البيت الأبيض ذكريات شيعية”.

و(سعدي يوسف) الذي أعشق شعره حد الوله، تجعله الحرب الدائرة في العراق يسفسط، وأعني بالسفسطة هنا القياس الوهمي للأمور ومقاربتها على نحوٍ خاطئ، ثم إطلاق أحكام قيمية قاطعة وناجزة على أمور تتلاعب فيها السياسة بالطائفية والمذهبية، فيتحول شاعر على مقهى في باب الزبير إلى (عنصري) فيغني قصيدته وحده (مصر العروبة وعراق العجم) في إشارة إلى (الفرس والأكراد) وقبلها أطلق على كردستان اسم (قردستان البرزاني).

ما يسفسط به سعدي يوسف مؤسف ومبكٍ، خاصة عندما تشع في رأسك قصيدته الشهيرة “تقابل المقهى من الجهة اليمين/الشرفة الخشب التي جاءت من الهند البعيدة واليسار يضم مكتبة ودكانا لبيع الخردوات/ وأنت حين تكون في المقهى ستشرب شايك المألوف/ ثم تقوم مبتهجا/ لتدخل غرفة البليارد”. الآن تبتهج أشعار (يوسف)، بوصف الأكراد بالقرود وإحالة طائفة كاملة إلى الخارج (عراق العجم).

أما يهرطق به اللاذقاني، فمضحك مبكٍ، لأن انجرار المثقف إلى نظرية المؤامرة حد الاستغراق فيها وتلبسها بطريقة تجعله لا يقوى على تفسير الأمور إلاّ باستدعائها، وكأنها طريقة منهجية علمية للمقايسات والبحث والتحليل، أمر يدعو للأسف والحيرة، قال إيه (أوباما شيعي)، فقط لأنه اسم أبيه (حسين)!!

فماذا سيفعل اللاذقاني إذا ما زار السودان، حين يجد أن (جعفر، علي، حسن، حسين، فاطمة، زهراء) أسماء لا تحيل إلى مذهب أو طائفة، كما هو الحال في العراق والشام. هل هؤلاء مثقفون؟

لكنني وأنا أجلد هذين الشاعرين الكبيرين، واستمتع إلى (قرقعة) الكرباج على جسديهما، أعاتب نفسي وأعنفها، فهما جديران بالشفقة أكثر مما يستحقان هذا التعنيف – غير الضروري – خاصة وأن من (يلينا) من جل المثقفين الخرطوميين، ليسوا أقل (عنصرية) وضيق أفق منهما، إن لم يكونوا أكثر وأعمق، وفي لا شيء ولا قضية. فالمتابع والراصد لكتابات (معظم) المثقفين لأكثر من عقدين مضيا، يأسف لما انحدرت إليه من سفسطات وهرطقات وأوهام وخزعبلات، يدلقونها في الصحف والدوريات والأسافير مُدعين بأنهم مُلاّك (المعرفة) على إطلاقها وخُدام الفكر والثقافة، بينما هم في الحقيقة محض عنصريين ومعاقين ذهنياً، لا يقوون على ابتدار حوارات موضوعية علمية تفضي نتائجها إلى الحقيقة، أو – على الأقل – إلى ما يعتقد أنها الحقيقة.

يؤسفني أن أقول.. إن مثل هؤلاء هم من يدفعون بالبلاد إلى الجحيم أكثر من (السلطة) السياسية – أياً كانت هذه السلطة – التي يدعون معارضتها. إن مثل هؤلاء لن ينتجوا بطبيعة الحال غير خطاب مشوّه على نسق (أوباما شيعي – وقردستان)، وهذا خطاب مؤذٍ ومدمر.