خم الرماد ظاهرة سجم رماد
عطفاً على النداء الذي أطلقه بالأمس مجمع الفقه الإسلامي للمواطنين في كافة أرجاء البلاد، لتحري رؤية هلال رمضان اعتباراً من مساء الثلاثاء القادم، المرجح أن يكون أول أيام الشهر الفضيل، إما الأربعاء أو الخميس القادمين، وفي مثل هذه الأيام من كل عام وبينما ينخرط البعض في نشاط محموم لإعداد وتحضير مستلزمات الشهر الفضيل، تجد آخرين يعكفون في نشاط وهمة للتحضير لما يطلق عليه (خم الرماد)، وهو مصطلح معروف حتى لمن لا (يخمون الرماد )، ويعني أن تلتقي ثلة من الأصدقاء والمعارف على وليمة استثنائية يتشاركون تكلفتها، أو رحلة خلوية تتخللها فواصل من الغناء والطرب و(حاجات تانية حامياني)، أو غير ذلك من أشكال أخرى يكون الإسراف فيها من الطعام الشهي والشراب الهنئ حلاله أو حرامه هو الطابع الغالب عليها، ومن المحير أن يطلق على هذه الأشكال الاحتفالية مسمى (خم الرماد)، لما للرماد من معانٍ ومقاصد تناقض تماماً ما هم عليه من بهجة ومسرة، ولا تفسير لذلك غير أن من ابتدروا هذه البدعة كانوا يدركون أن ما يقارفونه خلال ليلتهم الرمادية تلك إنما هو (سجم رماد) على رأى الحبوبات يؤثم عليه مقارفه، وإلا فما من سبب يقحم الرماد في تلك الاحتفاليات، نقول ذلك لأننا لم نعثر على شرح أو تفسير يعلل سبب هذه التسمية، بينما عثرنا على ما قد يردها إلى أصلها ومنشئها، حيث يقال إن الشاعر الجاهلي الفحل الأعشى الكبير المكنى بصنّاجة العرب الذي قيل عنه أنه أشعر الشعراء إذا طرب، هو صاحب فكرة (خم الرماد)، وإن لم يسعفه العمر لتطبيقها عملياً. يقال أن الأعشى الكبير حين أدركه الإسلام وأراد أن يسلم تصدى له كبراء المشركين يصدونه عن عزمه، فأغروه بالمال ليرجع عما عزم عليه، فقالوا له إن محمداً يمنع الربا، قال لهم الأعشى وما أنا بصاحب مال أخشى عليه، قالوا إنه يحرّم الزنا، قال قد كبرت وما بقيت فيَّ سن لذلك، قالوا إنه يحرّم الخمر، قال أما هذه فلا، ولكن أرجع عامي هذا فأرتوي منها ثم إذا كان العام المقبل وفدت على محمد، ولكنه في طريق عودته سقط من ناقته فاندقت عنقه فمات.. وعلى كل حال سواء كان الأربعاء القادم أو الخميس هو رمضان، فإن هذا الشهر العظيم ينبغي علينا أن نكرسه لـ(خم الحسنات والثواب)، وليس أي شيء خلاف ذلك، فهو شهر للطاعة والعبادة، وقد اختص الله به نفسه حين قال (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به)، وحق علينا خلال أيامه الكريمة والعظيمة أن نحرص على (خم الثواب) وليس (خم) الطعام والشراب كما يحدث في الغالب، وعليه بدلاً من أن (نخم ونصر) بسبب خم الرماد أن نستبدله ببرنامج لـ(خم الاستغفار) والله غفور رحيم.