هوادي الترابي
(وهوادي الخيل أو الأبل أعناقها، وهوادي الليل طلائعة، والهادي هو الدليل، وهاديات وهوادي القطيع من يتقدمنه). أما (هوادي) حسن الترابي، فلا أعلم لها معنى ولا مبنى غير ذلك التصريح الصحفي المقتضب للأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي (كمال عمر)، الذي كشف فيه عن أن – ما أسماها – مؤسسات حزبه أجازت برنامج دفع به الأمين العام للحزب (اللي هو الترابي) تحت اسم (الهوادي).
لكن (عمر) وكعادة قياديي الأحزاب السياسية السودانية لم يشر – ولو إشارة خاطفة – إلى ملامح برنامج (الهوادي)، وإنما صرّح بكلام عام، أقرب ما نسميه بالمحكية المحلية (خارم بارم)، مثل: الحزب أجاز برنامج الهوادي الذي تضمن رؤية الترابي فيما يلي قضايا الساحة السياسية! ودون أن يشرح أكثر من ذلك، وصل مباشرة إلى نتيجة (خرافية)، حين ما وصف برنامج الهوادي بالإنجاز الذي سيحدث نقلة في الساحة السياسية، ثم طفق يمدح أمينه العام مديحاً يتصاغر إزاءه مديح المتنبئ لسيف الدولة الحمداني.
التكنيك الذي اتبعه (كمال عمر) في تسويقه لبرنامج الهوادي، كلاسيكي، ومعروف في أوساط السياسيين المخضرمين منهم والمُحدثين، وهم في غالبهم ينزعون نحو الهرجلة والصراخ والزعيق والنعيق ليغطوا عجزهم السرمدي عن إنجاز برامج أو أفكار مهمة. فإذا كان هذا البرنامج الموسوم بالهواي يتضمن بالفعل ما يجعل الساحة السياسية ترتقي إلى (عليين)، فلماذ لم يطرحه على الملأ (بنداً بنداً، نقطة نقطة، وشولة شولة) بدلاً عن الذهاب مباشرة إلى نتائج زائفة ومكرورة وتشي بالعجز أكثر مما تؤشر إلى العبقرية، فوصف البرنامج بأنه (إنجاز سيحدث نقلة في الساحة السياسية) يظل مجانياً ولا مكان له من الإعراب ولن يصدقه أحد إلا مطلقه (كمال عمر)، خاصة وأن أطروحات الترابي وبرامجه ومشروعاته السياسية والفكرية معروفة ومجربة، ونتائجها ماثلة للعيان، ولا يحتاج كي يعيد إنتاجها إلى (خلوة واعتكاف) ينجم عنهما (الهوادي) الذي بشرنا به (كمال)، وما ظن أنه بذلك يحرّض ذاكرتنا المدرسية على استحضار جرير حين قال: “لوْ قلتَ أينَ هوادي الخيلِ ما عرفوا؟/ قَالوا لأذْنَابِها هَذي هَوَادِيهَا/ أوْ قلتَ إنَّ حمامَ الموتِ آخذكمْ/ أوْ تلجموا فرساً قامتْ بواكيها”.
لكنني – والحق يقال – أكثر ما استدركني في (هوادي الترابي) في اللحظة التي كان (كمال) يبشر بها – لم يكن بيت جرير أعلاه – وإنما ذلك المعنى القاموسي للكلمة، القائل بأن: “هوادي القطيع هن من يتقدمنه”. اللهم لا تجعلنا قطيعاً ولا تجعلنا هوادياً له، فالجزء من الكل وإن سار أمامه.