الطاهر ساتي

الغافل و الأشياء ..!!


:: ربما لمثل هذا اليوم كتب الراحل المقيم مصطفى محمود ما يلي بالنص.. ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة..بل حتى ما نراه رأي العين، ونلمسه لمس اليد، ليس دائما هو الحقيقة.. نحن نرى الشمس بأعيننا تدور حول الأرض، ومع ذلك فالحقيقة أن الأرض هي التي تدور حول الشمس..ونحن نرى القمر في السماء يبدو كأكبر الكواكب حجما، مع أنه أصغر الكواكب حجما..ونحن ننظر إلى السماء على أنها فوق، وننظر إلى الأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد (فوق ولا تحت)، فالسماء تحيط بالأرض من كل جوانبها ..!!
:: ثم يتعمق مصطفى محمود في رحلة البحث عن الحقيقة، ويقول..فالوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذة غرفتك..والوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك..بل إن عقولنا تزين لنا حتى عواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا والحقيقة أنه (الغرور وحب الذات)..ونظن أن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة، في حين أن الذي يدفعنا هو (الحسد والحقد)..من الذي يستطيع أن يقول لقد أدركت الحقيقة؟، من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه؟، ليس من باب التواضع أن نقول الله أعلم..فالحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا ( إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا وأبصارنا) ..!!
:: شكراً لمصطفى محمود..ولو عاش إلى يومنا هذا لتأمل ما يحدث منذ البارحة ثم أضاف في قائمة تلك الأشياء غير الحقيقية : محكمة الجنايات الدولية أيضاً ليست هي ( حقيقة الحدث)..فالحدث سياسي و ليس قانونياً.. والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء ثم (يتوجس أو يفرح)، أو كما كان حال مشاعر الناس في بلادنا طوال الساعات الفائتة..والمعلوم – حسب واقع الظلم في الكون – أن لاهاي محكمة إنتقائية، أي تغض الطرف عن ظلم أقوياء العالم وترصد وتترصد ظلم ضعفاء إفريقيا، وهذا يعني أن عدالتها (عرجاء)..و لن تغامر دولة من الدول المستضعفة بالتعامل مع أحكامها إلا في إطار (المصالح السياسية)، وليس بقناعة (الحرص على العدالة).. !!
:: والمراقب لعلاقات السودان الخارجية يشهد نجاحا للدبلوماسية السودانية في العالمين العربي والإفريقي و (بعض الغرب).. بل حتى العلاقة مع أمريكا ليست بالسوء الظاهر إعلاميا فقط لا غير..بهذا النجاح الدبلوماسي تم تحويل محكمة الجنايات الدولية إلى مجرد (صخب إعلامي)..زيارة جنوب إفريقيا لم تكن أخطر من زيارة الصين وتركيا وايران من فوق أجواء دول موقعة على ميثاق روما، ومع ذلك لم – و لن – تحدث تلك الدول نفسها بأن تساهم في ترسيخ (العدالة العرجاء)، بل وفرت الحماية للطائرة الرئاسية إمتثالاً ل (أحكام العلاقات السياسية)..نعم، فالآلية التي تحكم – وتحاكم – كل أنظمة العالم على أخطائها وجرائمها هي (السياسة ومصالحها)، وليست محكمة لاهاي..وعليه، في القضية التي بطرف الجنائية الدولية، فالمدعية العامة التي تقرر في مصير أطرافها ليست هي فاتو بنسودا، بل هي السيدة (وزارة الخارجية السودانية).. !!