عد إلى وطنك أيها الإمام ولا تتنكر لتاريخك
ويعود الإمام الصادق المهدي إلى طبيعته المترفّعة عن الصغائر، محلّقاً في سماء الوطنية المستعلية على منهج (فش الغبينة) مهما بلغ بها الحنق والغضب على ما لحق بها من أذى.
عندما أرسل الصادق المهدي رسالته إلى حكومة جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي كانت المحكمة الجنوب أفريقية قد أصدرت حكمها لتوقيف الرئيس البشير، فماذا قال المهدي في رسالته التي تجاوز فيها مراراته وانتصر على نفسه الأمّارة، مخالفاً رغبة حلفائه الذين كانت أنياب التشفي والانتقام تتلمظ وتقطر دماً من الحقد الأعمى في انتظار فريسة لم توجف على اصطيادها خيلاً ولا ركاباً.
أكد المهدي في رسالته مبدأ استقلال القضاء الذي ظلّ ديدناً لجنوب أفريقيا، منذ أن نالت استقلالها من عصابات الفصل العنصري البغيض لكنه أردف ذلك بالحديث عن البعد السياسي لقضية توقيف البشير، وعن عدم الاكتفاء بتغليب عنصر العدالة الجزائية على البعد السياسي المتمثل فيما سماه بالعدالة الإصلاحية التي ينبغي أن توضع في الاعتبار ويُواءم بينها وبين العدالة الجزائية، بما يحافظ على استقرار الوطن ومستقبله من أن يهدده الاضطراب السياسي الذي قد ينتج عن الفراغ الدستوري الذي يخلفه غياب البشير عن المشهد السياسي في السودان.
لكي يبرر موقفه رجع الصادق المهدي إلى المادة (16) من قانون روما الذي يجيز عدم إعمال العدالة الجزائية لمدة (12) شهراً بطلب من مجلس الأمن، بحيث تقوم الحكومة السودانية خلال هذه الفترة بخطوات في طريق التحول الديمقراطي.
صحيح أن الأمور مضت نحو إبطال حكم توقيف البشير وعاد الرئيس البشير، لكنني ورب الكعبة أكبرت موقف السيد الصادق المهدي الذي لم يلتفت إلى مواقف حلفائه في قوى نداء السودان الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً وزعيقاً، وفرحوا كما لم يفعلوا منذ ولدتهم أمهاتهم خلال ساعات الأزمة التي ملأت دنيا الأسافير، وشغلت الناس في شتى أرجاء العالم.
أحسب أن الصادق المهدي قد أغضب حلفاءه الذين كانوا على الدوام يشككون في مواقفه، أما الآن وقد انفرد برأيٍّ جديدٍ سطّره في رسالة إلى القادة الأفارقة المجتمعين في جوهانسبيرج، مذيلاً رأيه بمنصبه (رئيس الوزراء) الذي انقلبت عليه الإنقاذ، فإن ذلك بالقطع أحدث شرخاً بينه وحلفائه لن ترتقه التحالفات والاتفاقيات مهما تفنن الرفاق في تنميقها وتعميقها.
موقف الصادق المهدي ينبغي أن يقابل بمثله ليس من باب المكافأة على ما أقدم عليه من فعل وطني نبيل، إنما ترفعاً من جانب المؤتمر الوطني وترفقاً وانحيازاً للوطن الذي يحتاج إلى التوافق والتراضي لجمع شمل الأمة، فما من مصلحة للحزب الحاكم في أن يزيد الشقاق والصراع والاحتقان السياسي والاحتراب والسيد الصادق المهدي بكل رمزيته يستحق أن يبذل الغالي والرخيص في سبيل استرضائه وإعادته إلى حظيرة الوطن حتى يُسهم في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين مكوناته.
أقول مخاطباً الإمام الصادق المهدي وابنته د.مريم التي نقلت إلينا الرسالة مترجمة في أحد قروبات (الواتساب)، إنني لعلى ثقةٍ بأنك مُتنازعٌ بين تحالفك مع أناسٍ لا يشبهونك من حيث المرجعية والخلفية الثقافية والفكرية والمنطلقات الوطنية، وبين ذاتك التي بين جنبيك كإمام لطائفة الأنصار، وما أدراك ما طائفة الأنصار، ولو رجعت لتاريخك وإرثك الحضاري من لدن جدك الإمام المهدي وحتى موقفك من مشروع قرنق للسودان الجديد الذي قلت فيه أكثر مما قال مالك في الخمر وصراعاتك وحربك الضروس ضد وحوش الجبهة الثورية لوجدت أنك بتحالفك مع هؤلاء تصارع بل تخوض الحرب ضد نفسك وعلى وطنك الذي لا يجوز لك أن تأتمن هؤلاء عليه، ناهيك عن أن تتحالف معهم لتمكينهم من وأده وتحطيمه وشعبه الأبي الكريم.
نريدك أيها الإمام معنا في الداخل لنحدث سوياً التغيير المنشود الذي تواثقنا عليه حين انخرطنا سوياً في الحوار الوطني بعيداً عن مخططات دول لا تريد لبلادنا إلا أن تكرر مأساة اليمن وسوريا وليبيا، فما الفرق بربك أيها الإمام بين حفتر ليبيا وعرمان والحلو وعقار، وما الفرق بين علاوي والجعفري والمالكي الذين حكموا العراق من على ظهر دبابة الأمريكي بريمر وبين عبد الواحد محمد نور ومناوي؟.
تاريخك الوضيء يناديك بأن لا تلطّخه بسوء خاتمة فتعال لنصنع تاريخاً جديداً لوطننا يشبهنا ويشبه وطننا، بعيداً عن هؤلاء المتمرغين في أوحال الخيانة والارتزاق.