جعفر عباس

نضحك أم نبكي؟ (2)


استعرضت أمس جانبا من مقال للأستاذ فهمي هويدي بعنوان «أهلا بكم في مصر الأخرى»، وسمعنا منه كيف أن معلمة تربية دينية قالت لطلابها إن من حملوا مسمى «أنصار» النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، هم النصارى، ورأينا كيف يقتسم المدرسون الغنائم (الطلاب)، بجعل الدروس الخصوصية فرض عين، مع الرأفة، بحيث يدفع الطالب الغلبان عضو المجموعة العادية عشرة جنيهات شهريا ليتلقى ما يسمى بدروس التقوية ضمن عشرين آخرين، بينما يدفع أبناء الشبعانين رسما أكبر ليكونوا ضمن المجموعات الممتازة، ويتلقون نظير ذلك دروسا ممتازة وليس أي كلام كدروس أبناء المساكين.
والطامة الكبرى التي ينقلها إلينا أستاذنا هويدي هي ان بعض مدرسي التربية الفنية يربون الدجاج وسط داخل المدرسة، يعني يبقى الدجاج حائما يلتقط الرزق من فتافيت سندويتشات الطلاب في فناء المدرسة أثناء اليوم الدراسي، وعند انصراف الطلاب تلجأ الدواجن التربوية تلك إلى غرفة الفنون لتقضي فيها الليل (دجاج بيكاسو)، وهناك مديرو مدارس يسعون إلى الكسب الشريف، ومن ثم فإنهم يقيمون أكشاكا لبيع الفطائر والشطائر للتلاميذ داخل المدرسة، وأبلغ موجه تربوي هويدي أنه في ذات مدرسة اكتشف المدير ان الإقبال على كشكه صار ضعيفاً وقام بتحريات كشفت ان أمين المكتبة ينافسه في بيع الحلوى والفطائر التي يضعها تحت طاولة في المكتبة، وبهذا تكون المكتبة قد أدت دورا مزدوجا لكونها تحوي غذاء للعقول والبطون، ووضع مدير المدرسة أمين المكتبة أمام خيارين: تبطل تبيع الهباب بتاعك أو تشوف لك شغلانة في حتة تانية.
وندخل حجرة دراسة مع أحد الموجهين الذي كان يرصد أداء معلمة تدرس التربية الدينية، وبدأت تقرأ على الصغار سورة «الكافرون» بصوت عال، ثم توقفت فجأة وقالت إن هناك خطأ مطبعياً تجلى في تكرار الآية «ولا أنتم عابدون ما أعبد»، وبكل «ثقة» طلبت من التلاميذ شطب الآية الثانية التي تأتي قبل الآية التي تنتهي بها السورة، وبالتأكيد لم تقرأ تلك المعلمة سورة «الرحمن» وإلا لكتبت مقالا في الصحف تقول فيه إنها اكتشفت أن آية «فبأي آلاء ربكما تكذبان» تكررت عدة مرات، نتيجة خطأ مطبعي!
ويحكي الأستاذ هويدي على لسان موجهة أنها كانت مكلفة مع آخرين بمتابعة لجان الامتحانات في إحدى المحافظات، واستقبلهم العمدة بالترحاب وأقام لهم وليمة ضخمة وعندما خرجوا من داره فوجئوا بأهل القرية يحاصرونهم ويقدمون لهم أرقام جلوس عيالهم كي «يتوصوا بهم» خلال الامتحانات، واتضح أنهم جميعاً ساهموا في الوليمة.. وتقول الموجهة إنها دخلت إحدى قاعات الامتحانات في مدرسة القرية، فوجدت مدرساً يقف أمام الطلاب ويملي عليهم الأجوبة عن أسئلة الامتحان.. صاحت الموجهة مطالبة بوقف ذلك العبث وطرد ذلك المعلم من قاعة الامتحان ولكن زميلا لها عاقلا قال لها: لا ترفعي صوتك لأن أهل الطلاب سيفترسوننا «ويدشدشوننا» ويلقون بنا في الترعة.
كانت غاية هويدي هي الإشارة إلى ان مصر التي يحدث فيها كل هذا، غير مصر التي يعرفها القاصي والداني كبلد احتضن أعرق المؤسسات التعليمية التي أنجبت بدورها عمالقة في مختلف مجالات الفكر والمعرفة.. ولو كان هناك كتاب في مثل شجاعة وأمانة هويدي في كل الدول العربية لاكتشفنا مأساوية الأوضاع في جميع مدارس الوطن العربي حتى صار لدينا حملة درجات دكتوراه ويعانون من الأمية الهجائية، أي لا يحسنون الكتابة والقراءة.
(في مايو المنصرم ظهرت نتائج الانتقال مما يسمى في السودان مرحلة الأساس التي تتألف من 8 سنوات إلى الثانوية وأحرز 69 طالبا 279 درجة من أصل 280 درجة.. يعني فقد كل واحد منهم درجة واحدة من المجموع الكلي واقترحت على وزارة التربية السودانية إلحاق هؤلاء العباقرة بجامعة أوكسفورد.. بلا ثانوي بلا لعب عيال).

jafabbas19@gmail.com