امتحان لغوي !
أيّ امتحان لغوي أن تعبّر عن تلك العاطفة الخارقة الطاهرة الآسرة، العابرة لكلّ خلجاتك، عندما تُعلن شاشة أمامك أنّه ثبت رؤية هلال رمضان؟
كلّ سنة تسمع الخبر كما لو أنّك لم تسمعه، بعدد سنوات عمرك. تحرص على تلك الصيغة بالذات: «ثبتت رؤية الهلال»، برغم وجود أكثر من وسيلة تكنولوجيّة توفّر عليك «الشكّ». لكن الترقّب جزء من لهفتك، من بهجتك. إنّه عيد في حدّ ذاته. لكأنّ لرمضان عيدين: واحد يسبقه وآخر يليه. ليلتان للشك، كلتاهما فرحة للمؤمن. في الأولى يستعدّ القلب ويتأهبّ لمباهج التقوى، وفي الأخيرة يسعد بما كسب من ثواب.
يهلّ الهلال، فيبدو في رمضان غير الذي اعتدت رؤيته. تبحث عن خيطه الأوّل في السماء، وتعجب أنّ ضوءاً يكاد لا يُرى يُضيء قلبك إلى ذلك الحدّ، إيماناً وفرحة ورهبة. أيّة لغة تختصر فرحك وورعك وخشوعك وزهدك ودموعك، وأنت بين يديّ الله مجدداً، صائماً ساهراً ذاكراً شاكراً، ظافراً بطمأنينة لن تمنحك إيّاها الدنيا، وإن جاءتك بكلّ كنوزها. «كم من ذي طمأنينة إلى الدنيا صرعته» يقول الإمام علي (رضي الله عنه). وهل تصرع الدنيا وتغدر بغير الواثق بها، العابد لها؟ فالأمان لن تجده في مكسب عاجل أو بريق زائل. الأمان ليس حولك، بل فيك. وإن لم تجده في قلبك لن تجده مهما أوتيت ومهما أتيت. ( يتبع )