الماء قد يغنيك عن الدواء
قبل نحو 4 سنوات التقيت في العاصمة الأردنية عمان، بألماني يعمل في مجال الاستشارات الإعلامية، ولأن اللقاء كان في سياق ورشة عمل، لتدريب الكوادر الصحفية الشابة في الأردن، فقد كان صاحبنا يبهرني بنشاطه وحركته الدائبة، بينما كان أخوكم أبو الجعافر يستفيد من جلوسه خلف طاولة عليها غطاء من قماش ويخلع حذاءه كي يمنع قدميه من التصلب خلال الجلسات الطويلة، وينثر الدرر وهو قعمز (بالليبي)، أي مقنب (بالسوداني)، أي منسدح (بالخليجي) وكان يستغل كل سانحة للخروج من القاعة التي كانت تجري فيها فعاليات الورشة لتنشيط الدورة الدموية.
وكنا مدعوين ذات مساء لعشاء، فقلت لهم صادقاً إنني أعاني من صداع شديد وإنني بحاجة إلى الراحة، ومن ثم فلن أستطيع تلبية الدعوة، فما كان من صاحبي الألماني إلا ان قال لي أن أمامي نحو سبع ساعات حتى موعد العشاء، وإنني لو شربت كميات كبيرة من الماء خلال تلك المدة فسوف أتخلص من الصداع، ولبيت دعوة العشاء ولكن بعد الاستعانة بالبندول، وخلال تناول الطعام قال لي الخواجة إنه لم يعانِ من الصداع طوال نحو 25 سنة لأنه يشرب 4 لترات ماء يومياً على مدار السنة.
إعلان
وبعدها بأشهر قليلة التقيت بأستاذ جامعي سوداني، في غلاسغو باسكتلندا، حكى لي عرضاً كيف تخلص من الصداع النصفي (الشقيقة) بشرب الماء بكميات تجارية، وقال إنه منذ أن بدأ في الإكثار من شرب الماء، لم تأته نوبة من ذلك الصداع المدمر، الذي لازمه لنحو عشرين سنة، وقال أيضا أنه وفي شتاء إسكتلندا القارص والجليد يغطي كل شبر في المدينة يواصل شرب ليترات الماء الأربعة يومياً.
وأوصلت المعلومة إلى بنت لي تعاني من الشقيقة وتضطر في أحوال كثيرة إلى الجلوس في غرفة مظلمة، لأنها لا تطيق الضوء والضجيج خلال نوبات الصداع، ومنذ نحو عامين صارت بنتي هذه طالعة ونازلة وهي تحمل زجاجة ماء في يدها، نوبات الصداع لم تختف بل صارت خفيفة وفي فترات متباعدة وصارت هي مقتنعة بأنها لو واصلت شرب الماء بكميات كبيرة فإنها قد تتخلص من الشقيقة نهائياً.
وقرأت كلاماً كثيراً عن أن الماء يسهم في تخفيف الآلام المزمنة والآلام مجهولة السبب، ولكنني أحزن لأولئك الذين يشترون الماء المعبأ في قوارير بلاستيكية ويطلقون عليه اسماً لا يستحقه « ماء صحة»، بينما أفضل أنواع الماء وأكثرها استيفاء لشروط السلامة الصحية هي التي في حنفيات بيوتنا، لأنها تتعرض للمعالجة على أيدي مهنيين وفق معايير صحية وفنية دولية متعارف عليها، ولكن المصيبة هي أن البلديات التي تزيل القمامة من الشوارع وتغلق المطاعم التي لا تتقيد بشروط السلامة الصحية، لا تكلف نفسها فحص ما بخزانات الماء في البيوت من طين وطحالب، لأنها لم تخضع للغسل منذ تم وضعها على السقوف قبل عشرين أو ثلاثين سنة (يعني استخدام الفلتر لا يجعل مياه تلك الخزانات صالحة للشرب).
والبلديات عليها «بالمظهر»: الشوارع نظيفة وفيها براميل للقمامة تحمل عبارة « حافظوا على نظافة مدينتكم » ولكن لا شأن لها بعمارة سكنية تحتل القطط منعطفات سلالمها ولا يهمها خزان الماء الذي تغطي جدرانه طبقة من الأوساخ يبلغ سمكها أحياناً قدما واحدة. وقلبي على أولئك الذين لا يستطيعون الأكل ما لم تكن في متناول أيديهم زجاجة مشروب غازي، ولو كان الأمر بيدي لأرغمت شركات تلك المشروبات على تكتب عليها: هذا المشروب يسبب هشاشة العظام.. والغازات التي تثقب أوزون أنف من يجلس بجوارك.
jafabbas19@gmail.com