الطاهر ساتي

إسداء النصح ..!!


:: قبل نصف عام، قصد المواطن إيهاب بزوجته – وهي حالة مخاض – مستشفى الدايات بأمدرمان..وكان قد حجز لها وأكمل التحاليل المطلوبة قبل ثلاثة أيام من يوم المخاض..وبالمستشفى،وهي تتمخض وتتوجع، طالبوها بعمل التحاليل مرة أخرى، ولكنها كانت عاجزة عن الحراك من وطأة الألم.. طالبتهم بأن يرحموها بأقرب (سرير)، فالمولود على وشك الخروج..توسلت، وظلت تتوسل وتصرخ، وهم عنها غافلين بطلب ( إستخراج كرت الدخول)..أمام الطبيب وكادر التمريض، وبعد أكثر من نصف ساعة وقوفاَ من وجع المخاض والصراخ، سقط المولود.. نعم، سقط على الأرض.. أكرر، سقط على الأرض ولم ينتظر إستخراج ( كرت الدخول)..!!

:: يومها قلت بالنص ..لو عاقب المجلس الطبي، أكرر ( لو) عاقب، لن تتجاوز دائرة العقاب الطبيب وكادر التمريض..ولن يقترب العقاب إلى دائرة المدير العام ومساعد المدير العام والمدير الطبي وغيرهم من الذين نسميهم – مجازاّ – بالمسؤولين.. فالعقاب في بلادنا – في حال تنفيذه- لا يطال ذوي المناصب القيادية والوظائف العليا، رغم أن هؤلاء هم ( أس الأزمة) و( أصل البلاء)..ثم أن المجلس الطبي – حسب تجارب كثيرة ومؤلمة- كثيراّ ما يكتفي بالنصح في الخطأ الطبي و كثيراً جداّ ما يغض الطرف عن الخطأ الإداري..وما حدث لهذا المولود من الأخطاء الإدارية ( الخطرة والقاتلة)..!!

:: واليوم، الرابع من رمضان، أي بعد نصف عام من التحري والتحقيق، إليكم قرار المجلس الطبي بالنص..( السيد إيهاب، الموضوع الشكوى رقم 2/2015.. بالإشارة للشكوى أعلاهأ،والمقدمة من طرفكم ضد مستشفى الولادة أمدرمان، أفيدكم بأن لجنة السلوك المهني قدنظرت في الشكوى وبعد الإستماع للأطراف والشهو، رأت اللجنة أن المستشفى لم يتجاوز قواعد السلوك المهني،وعليه تم إستدعاء د. ( م .ع)، وتم إسداء النصح لها، وترى اللجنة شطب الشكوى..للعلم والإحاطة..ب/ الشيخ علي العبيد، الأمين العام )..فالعقاب هنا إسداءالنصح – للطبيبة المسؤولة – فقط لاغير ..فالمرفق برئ من تهمة الإهمال، أما الطبيبة المسؤولة فعقابها ( إسداء النصح)..وهذا ما تكهنت به يوم وقوع المولود، فالمجلس الطبي ( مجلس طبطبة)، أي دائما ما يكتفي بالنصح و كأنه ( مجلس جودية)..!!

:: وهكذا دائما (زملاء المهنة)..لا يعاقبون بعضهم عبر (مجلسهم الطبي)، وكذلك لا يحسنون إدارة بعضهم في ( مشافيهم)، ومن يدفع الثمن – موتاً أوإهمالاً- هو المريض.. نعم، فالحقيقة المؤلمة هي المجلس الطبي بحاجة إلى إصلاح يعيد ثقة المواطن إليه..فغير السلحفائية في التحقيق والتحري، فالعقاب لا يتناسب مع حجم الخطأ ..ولا تزال أكبر كوارث المشافي في بلادنا ( الإدارة)..الإدارة وليس المال أوالطبيب.. إدارة المشافي فرع من (علوم الإدارة)، وعلم يُدرس بالجامعات والمعاهد العليا..يتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع (الفريق الطبي)..ولكن هنا في السودان، يأتون بإستشاري أمراض القلب أو باختصاصي النساء والتوليد ليشغل منصب ( مدير عام) و ( مدير إداري) ..!!

:: وكثيرا ما ناشدنا بنقل تجارب الآخرين..إدارة المشافي بشركات كوادرها درست علوم الإدارة ليست بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية وتخصصاتها، ولكن مجرد الإقتراح بهذا النوع من الإدارة الحديثة قد يعد نوعاً من الجنون في بلاد العالم الثالث ( والأخير طبعاّ)..ولذلك، قزمنا الطموح وناشدنا بأن تًدار المشافي بواسطة الذين تخصصوا في ( علوم الإدارة)، وليست بواسطة الأطباء أو كما يحدث حالياً..ومع ذلك، لم – ولن – يسمعنا أحد..وعليه، ترقبوا الكثير من سقوط المواليد على الأرض، ثم الكثير من العقوبات التي من شاكلة ( إسداء النصح).. !!