الطاهر ساتي

هزموا اليأس ..!!


:: وفي الخاطر (العزيزة أ).. بالعزوزاب، قبل تسع سنوات، بعد أن مات والدها بداء القلب، لم تجد العزيزة (أ) حلاً لمجابهة تكاليف دراستها ودراسة شقيقها ورهق الحياة غير أن تساعد والدتها في (المهنة المرهقة).. قبيل المغرب، تقف المركبة العامة بمحطة الدباسين، فتترجل منها العزيزة (أ)، ولا تقصد منزلها كما تفعل زميلاتها، بل تقصد جدار النادي حيث تتكئ والدتها وتبيع الشاي.. تبقى معها لحين موعد صلاة العشاء، ثم ترافقها إلى دارهما العامرة بالصبر الجميل.. تخرجت العزيزة (أ) في جامعة السودان والتحقت بإحدى شركات القطاع الخاص، واستقرت مهنياً واجتماعياً.. ومن ذكريات رحلة بحثها عن العمل: ( تذكر يا الطاهر لمن قلت لي أكتبي في السي في: ست شاي، خبرة 3 سنوات ؟)، وتضحك ونشاركها وكذلك زوجها وشقيقها طبيب الإمتياز..!!
:: وفارس.. إبن الجزيرة الذي أخرجته الحاجة من الفصل إلى رحلة البحث عن العمل.. لم ترحمه المدينة، فكان يغسل العربات أمام المحكمة بالكلاكلة نهاراً، ثم يذهب إلى سوق الكلاكلة ليعمل جرسوناً بمطعم عم إبراهيم الشعبي.. وينام أينما يدركه النعاس، بالمطعم أو في كشك الخضار المجاور.. عم إبراهيم ـ طيب الله ثراه ـ يؤانسه ذات يوم بالمطعم ثم يدمع.. وبعدها بأسبوع يكتفي فارس بالمطعم ويودع غسيل العربات.. وتمضي الأسابيع والأشهر ثم سنة وأخرى، ويتفاجأ رواد المطعم بالحلوى والعصائر، يوزعها فارس و عم إبراهيم يبتسم للناس والحياة.. (فارس نجح، جاب 76.7%)، إنها مناسبة العصائر والحلوى.. ومن جامعة جوبا إلى مدينة أبها السعودية، وقبلها كانت محطتي (المطعم والمحكمة)..!!
:: ومساء السبت الفائت، بالصحيفة، تبادل الزملاء التهاني فيما بينهم بكل الحب والسعادة.. (خميس نجح، جاب 57%)، إنها مناسبة التهاني.. قبل أربع سنوات، تعرضت قرية النعيم بغرب كردفان إلى آثار حرب أهلية أحالت الاستقرار إلى نزوح وارتباك، وكان خميس سالم قد أكمل مرحلة الأساس بنجاح ويتأهب للمرحلة الثانوية.. ولكن الحرب وآثارها أرغمت خميس سالم – كبير البيت – إلى النزوح والعمل بالخرطوم وفي القلب حسرة على تعليم لم يكتمل.. والمدينة لم ترحم إبن المسيرية الباحث عما يسد (رمق أسرته)؛ فالصغير دخل عالم البناء بحي المعمورة كـ(طُلبة)، ولكن أرهقه العمل الشاق.. فالتحق عاملاً بمصنع بلاستيك، فأضناه التعب والسهر..!!
:: وجاء به القدر النبيل إلى الصحيفة، ليلتحق بالبوفيه وصار إبناً وأخاً وصديقا للزملاء والزميلات.. ثم كان القرار والتشجيع، فالتحق بمدرسة الخرطوم الأميرية ليمتحن الشهادة السودانية، وهو الذي لم يدرس الفصلين الأول والثاني.. كان القرار تحدياً، ليس لخميس فقط، بل للزملاء عبد الحميد عوض، محمد عبد العزيز، محمد حمدان، لينا يعقوب ونبيل سليم ووجدان طلحة و تغريد وتسنيم وآخرين كانوا هم أساتذة خميس طوال العام الفائت..
بالتناوب استقطعوا من أوقاتهم لمراجعة الدروس مع خميس، وبطيب الخاطر ادخروا من أموالهم ليمدوه بالكتب والمذكرات.. فاجتهدوا جميعاً، واجتهد خميس.. ونجح بفضل الله، ليواصل بذات العزيمة.. فالحياة عزيمة، والتحيات لمن هزموا اليأس بالعزيمة، وما أكثرهم..!!