ضياء الدين بلال

ضجة إسفيرية!


شَنَّ البعض في المواقع الإسفيرية، هجوماً غير مبرَّر على (السوداني)، لنشرها إعلاناً نعى فيه أبٌ ابنه، الذي قُتِلَ وهو ضمن جيش النصرة في سوريا.
البعض من هؤلاء، لهم مواقف عدائية، ضد كل الحركات الإسلامية، من جبهة النصرة وداعش إلى الإخوان المسلمين وأنصار السنة، وفرقة الصحوة الغنائية، وأرادوا أن يلزمونا بوجهة نظرهم المتطرِّفة، ويحاكمونا بها.
(السوداني) صحيفة مستقلة استقلالاً مهنياً عن كل التيارات السياسية والفكرية، لا تُلزم نفسها بتصورات أيدولوجية مغلقة. ومع هذا تلتزم بسياسة تحريرية متوازنة، تُراعي بمسؤولية المصالح العليا للدولة، والقيم الاجتماعية المتفق عليها.
في مرات كثيرة، رفضت (السوداني) إعلاناتٍ مدفوعة الثمن، لأن ما فيها من محتوى، يتناقضُ مع تلك المصالح والقيم، مثل الإعلانات التي تؤجِّجُ المشاعر السالبة، ذات الطبيعة القبلية والجهوية والدينية.
وأفضل تعليق على تلك الحملة الإسفيرية، ما عبَّر به الأستاذ ياسر عبد الله رئيس قسم الأخبار حينما قال:
الإعلان من والد الشاب، ولم يُكتب باسم جبهة النصرة، ولم يُمجِّدْها، أو يدعو للانضمام إليها، وإنما نَقَلَ قصيدة كُتِبَت في حق الابن.
لم يقدم الإعلان دعوةً للشباب للانضمام لجبهة النصرة، ولم يضع أرقام هواتف للاتصال لمن يرغب في الالتحاق بها. الإعلان ببساطة، من أبٍ فقد فلذة كبده، شَكَر من شاركوه الحزن، بمن فيهم زملاء ابنه في جبهة النصرة.
توجهت بسؤال في عدد من القروبات، ولم أجد من يجيب عليه:
إذا جاء شخص بإعلان لـ(السوداني) أو غيرها من الصحف، ينعي ابنه الذي قُتِلَ في صفوف الجيش الأمريكي بأفغانستان أو الفلوجة، هل نقوم بنشره أم حجبه؟!
هنالك من يرى الآتي:
أمريكا دولة إرهابية بحكم التاريخ وحكم الراهن، الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت قنابل نووية ضد مدنيِّين في هيروشيما وناجازاكي لا تزال آثارها الكارثية مستمرةً إلى اليوم.
أمريكا أشعلت حرباً في العراق، على كذبة راح ضحيتها 3 ملايين شخص، أمريكا أكبر مساند دولي للإرهاب الإسرائيلي؛ فهي دولة إرهابية تمارس العنف في أفظع صوره.
لا فرق بين دولة إرهابية وجماعة إرهابية، ولا فرق بين القتل بالسكين والقتل بالقذائف والقنابل العنقودية، النصرة وداعش أبناء غير شرعيين للدولة الأمريكية وازدواجية معاييرها.
العنف هو العنف، بغض النظر عن وسائله وعن مصدره.
التطرف هو التطرف، تحت أي لافتة، سواء جاء من اليسار أو اليمين من دولة أو جماعة!
فاجأني أحد الأصدقاء تعليقاً على سؤالي بمعلومة أن أسرة سودانية قبل سنوات، قامت بنشر نعي في الصحف، لابنها الذي قُتِلَ في العراق، وهو جندي في الجيش الأمريكي، ولم يحتج أحد على ذلك!
الحكومة السورية ترى قتلاها شهداء، الحركة الإسلامية في السودان ترى من يُقتَلُون من أجل الدفاع عن حكمها شهداء، حركات دارفور تعتبر قتلاها شهداء، الحزب الشيوعي ظل من يوليو 1971 إلى اليوم يعتبر من قُتِلُوا في ذلك الانقلاب شهداء، وكذلك حزب البعث لا يزال من 28 رمضان 1990 يحتفل بشهداء الحزب في ذلك الانقلاب!
هذه تقديراتهم وأمانيهم لمن يحبون، والحُكم لله رب العالمين.
إذا قبلنا -على الأقل بالصمت- عن إطلاق صفة شهيد على كل أولئك، بأي منطق نعترض على والد مكلوم ومفجوع يُدعى مأمون أحمد مكي عبده أن يعتبر ابنه (محمد) شهيداً؟!