مصيبة الإبداع مباني ومعاني!!
ليست وحدها الثقافة أو مضارب الإبداع التي تعاني في بلادي فكراً وممارسة، ولكن حتى آلياتها وشواهدها تدعو للرثاء والحزن العميق. أمس مررت مساءً بالقرب من المسرح القومي بأم درمان، هذا الصرح التاريخي الكبير الذي شهد أجمل وأنضر وأخصب فترات العطاء الغنائي والمسرحي حيث تبادل فيه الأدوار وقوفاً جيل العمالقة من الفنانين: “الكاشف” و”محمد وردي” و”عثمان حسين” و”إبراهيم عوض” و”أحمد المصطفى” وكذا جيل العمالقة من المسرحيين أمثال “خالد أبو الروس” و”إسماعيل خورشيد” و”تور الجر” و”أبو قبورة” و”مكي سنادة”. وللمفارقة فإن التراجع والتدهور لم يُصب المسرح فقط في المنتوج الذي يقدم من خلاله، لكنه طال مبانيه المتواضعة أو التي هي غاية في التواضع، والمسرح لا زال تقليدياً بأدواته وخشبته وكواليسه وكل ما فيه. والمصيبة أنني حتى الآن لم أسمع من وزير الثقافة أو وزارته خطة إن شاء الله بعد مائة عام لتحديث المسرح، وكأنه كتب عليه أن يظل يعاني ظلم ذوي القربى، ولو أننا قارناه بأكثر المسارح تواضعاً في الجارة مصر مثلاً لاحتل ذيل القائمة، وقد شاهدت بعيني كيف يستحدث عند كل عرض مسرحي تفاصيل الإبهار والأناقة في مسرح البالون أو مسرح الدولة في القاهرة، ولكأنه قد كُتب على شارع النيل أن تغسل المؤسسات الرابضة على طرفيه أحزانها من مياهه. يقف مبنى التلفزيون القومي في منظر غاية في التواضع غاية في التقشف والمفترض أن تكون الأناقة والجمال والفخامة عنواناً له من بوابته لأنه المصدر والمنبع الذي يصدّر عبر الأثير معاني الأناقة والجمال والفخامة، فهل هذا الابن رث الثياب بائس الحال لم يحرك مشاعر وزارة الإعلام لتتحرك بشكل أو بأخر لمنحه بعضاً من البريق؟ ما قلنا كسروه وأبنوه ناطحة سحاب إن شاء الله تدوه وشّين بوهية وشوية تفاصيل ميك أب يزيل القبح الذي يلف أسواره وأبوابه. والتلفزيون واحد من البوابات التي يدخلها ضيوف البلاد مستضافين أو حتى عابرين، فهل معقول أن يظل بهذا التواضع؟ أم أن عيون المسئولين وآذانهم تتعدى دائماً المنتِج بكسر التاء إلى المنتَج بفتحها؟ وإلا ما معنى أن يوقف عرض مسلسل (بيت الجالوص) رغم أن (بيت الجالوص) هو المبنى الذي تخرج من خلاله تفاصيل حوار المسلسل المغضوب عليه!!
أعتقد أنه آن الأوان أن تعيد الحكومة النظر في شكل المؤسسات السيادية والمهمة التي هي عنوان ومرآة للشعب السوداني الذي كتب عليه أن يتلفت ولا يرى الجمال إلا في فلل وعمارات (أثرياء الغفلة) الذين بزروا إلى السطح في الخمس وعشرين سنة الماضية. وهذه المؤسسات السيادية تعاني الإهمال وسوء المتابعة وعدم المراجعة وكأنها كمّ مهمل بلا وجيع، المضحك أنني قبل فترة كنت في التلفزيون القومي وطُلب مني الانتظار في صالة الـ(VIP) قبل الدخول للأستوديو، وبالطبع كان الانطباع والإحساس لدي أن المسمى سيكون قدر الاسم، لكنني تفاجأت بصالون متواضع يحتاج إلى دهن حوائطه وتغيير مقاعده، فقلت في نفسي: أنا هينة لكن إن طُلب من ضيف عربي أو أجنبي الانتظار وحدثوه أن هذه هي الـ(VIP) فمؤكد حيضحك علينا ويقول (ديل طير واللا شنو؟).
في كل الأحوال أرجو أن تبدأ وزارة الثقافة والإعلام في مراجعة المؤسسات التابعة لها واستقطاب التمويل الذي يعيد إليها مكانتها شكلاً ومضموناً بدلاً من هذه الأطلال المؤذية للعين والإحساس!!
كلمة عزيزة
إطلاقاً لن نتبرأ من شهامتنا واستيعابنا للآخر بمشاكله وهمومه ولن نتخلى يوماً عن حسن الضيافة والكرم، ونحن الشعب الذي ابتكر الأمثال التي تدعو لإكرام الضيف وحسن وفادته، والترحاب عندنا بالأرقام فلا نقول حبابك إلا مقرونة بعشرة وألف لكن هذا ليس معناه أن نترك الحبل على الغارب ونترك أحياءنا سداح مداح يلفها الأجانب من الداخلين إليها قانونياً أو تسللاً دون إجراءات صحية تؤكد خلوهم من الأمراض المعدية أو حتى النفسية. هذه الأيام ألاحظ كميات كبيرة من المتسولين الذين أفرزتهم الحرب السورية اللعينة وهم بالتأكيد يحملون ما يحملون من آثار ما عانوه في بلادهم إضافة إلى أننا نجهل ماضيهم من حيث أتوا، وبالتأكيد هم ليسو جميعاً أفندية أو دعاة. أرجو أن تركز الجهات الأمنية وتصحصح حتى لا يقع الفأس في الرأس وعندها لن يفلح الندم!!
كلمة أعز
مع كامل تقديري للفنان “أسامة الشيخ” إلا أنني استغربت لإقحام استضافته في حلقة أول أمس من برنامج (أغاني وأغاني)، وهو إقحام لا علاقة له بتسلسل الحلقات إن كان القصد منها كما يقول الأخ “الشفيع” أنها بطريقة (الحكاواتي) الذي يمثله “السر قدور”. و(الحكاواتي) الذي نعرف دوره كقاص ومرجع يفترض أن يلتزم بتسلسل الأحداث والتواريخ، لكن فجأة كده (تنط) حلقة لـ”أسامة الشيخ” البعيد عن المشهد الفني والذي لم يكن فيه يوماً من نجوم الصف الأول، ولم يكن حتى تجربة فنية زاخرة ومميزة، بدليل أن أغنياته في الحلقة لم تتعد الاثنتين وما سواهما أغنيات مسموعة، لكن فجأة (تنط) حلقة “أسامة” هو مجرد إقحام مشاتر ومجاملة واضحة لا تحتاج لدليل.