الضغط الأكاديمي.. سبب داعش!
بالتأكيد لا يوجد ارتباط حقيقي ووظيفي بين كلية أو جامعة بعينها و”داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها، ولا يستحسن أن نركز كثيراً على جامعة مأمون حميدة وننسى الظاهرة الكبرى، وهي أن – مجموعات من الشباب تتوجه نحو داعش وليست حالات فردية – ولكن يستحسن في هذا السياق أن نسأل أنفسنا وأن تسأل جامعة مأمون حميدة نفسها لماذا ذهب عدد من منسوبيها طلبة كانوا أم خريجين؟!
الحديث عن أن هذا الأمر مرتبط بأبناء الأثرياء غير حقيقي إطلاقاً؛ هنالك جامعات أخرى مشهورة بأبناء الأثرياء والمغتربين وتتراص أمامها السيارات الفارهة التي يمتلكها الطلبة للدرجة التي ظن بعضهم ذات مرة أنه أمام معرض ليموزين فاخر وليس جامعة سودانية.
الربط بين مأمون حميدة وتوجهه الإسلامي والذهاب لداعش مجرد خرافة لا محل لها من الإعراب… وكذلك الربط بين أنهم أبناء مسئولين إسلاميين وشخصيات هامة في الخدمة المدنية أيضاً مجرد “كلام فارغ” لأنه قد وجدت حالات لأبناء شخصيات يسارية بل تردد أن أحد كبار الشيوعيين ابن اخته حالياً في صفوف داعش يقاتل مثلما يقاتل خاله في الإسلاميين بقلمه ومقالاته. من الطبيعي أن ينال أبناء المشاهير والنخب اهتماماً أكبر من الإعلام.
ولكن الذين ذهبوا لصفوف داعش والنصرة من غمار الناس أكثر بكثير. قبل ستة أشهر عزيت جاري وصديقي أحمد التوم من أبناء رفاعة في شقيقه الذي جاءه خبر وفاتة من إحدى الجبهات القتالية الساخنة في سوريا بالهاتف بعد دفنه، ولم تكتب الصحف عن ذلك، رحمه الله وتقبله في أعلى عليين.
القضية في جامعة مأمون حميدة سببها الأساسي – حسب تقديري – الضغط الأكاديمي العنيف، وهي من أشد الجامعات إن لم تكن هي الأشد بلا منازع… وقد قلت ممازحاً لأحد أساتذتها: والله أنا خايفكم إنتو تمشو داعش مش الطلبة بس؟! وذلك لأنني وجدته مهموماً كالعادة بالامتحانات والاختبارات وتصحيحها؛ وجدته “شايل هم” للطلبة من السقوط، فما بالك بالطلبة أنفسهم؟! الواحد منهم لو رسب قد يفصل من الجامعة حتى ولو كان في السنة النهائية؟! وبسبب هذا يظل في ضغط مستمر من أهله وتوبيخ ونصائح متدفقة يومياً لأن الأهل يدفعون تحويشة عمرهم للمحروس ولو رسب ورفتوه تكون “ميتة وخراب ديار”..!
قوانين الجامعة يتم تطبيقها بقسوة ودون استثناءات ويتم شطب كل الاسترحامات بجرة قلم..!
حجة الجامعة أنها تريد تطبيق معايير دولية وتوطينها في التعليم العالي السوداني، أي أنها “رامية لي قدام” في ترسيخ تجربة رائدة ترفع مستوى التعليم والكادر المتخرج… وأن قوانين الجامعة موجودة في الدول المتقدمة والنماذج المتقدمة..!
هذه الدول المتقدمة التي توجد فيها جامعات تمارس ضغطاً أكاديمياً هائلاً؛ توجد في مجتمعات حرة وللطلاب متنفسات أخرى لا تتناسب معنا في السودان. والنسيج الاجتماعي يختلف والقيم والعادات والتقاليد تختلف. ولكن في المجتمعات المحافظة الحسابات مختلفة؛ فالمجتمع لديه قوانين وأعباء واخلاق، حتى لو كان منها فكاك مؤقت ومحدود فإن الإرهاب النفسي يلاحق الجميع ولذلك إضافة لضغط أكاديمي هائل تسبب هذه الإنفجارات..!
ما أريد أن أقوله… لا يمكن توطين تجربة دولية دون موائمتها مع الظروف المحلية… لا يمكن أن يكون محمد علي مثل جون ريفن ولا يمكن أن تكون الشيماء مثل مادونا ولا تقوى مثل ميل بي… حتى ولو لبست بنطلون وتي شيرت وأخفته تحت العبائة..!
الرهق الأكاديمي والرعب المستمر هو أمر يجب أن تتم مراجعته في جامعة مامون حميدة وبذلك تكون الجامعة قد نجحت في توطين معايير دولية… وبغير ذلك تكون قد أنتجت وتنتج نماذج شائهة نفسياً… والله أعلم..!