منصور خالد 1- 3
ظل كثيرون يكرسون أنفسهم (تروساً) وخطوط دفاع متقدمة عن من يطلقون عليهم (رموزاً) في كل المجالات، فلا يسمحون للآخر، دعك من أن يُقدِّم مرافعة نقدّية تبيّن مواضع الخلل ومواطن الضعف في منتوجهم (أياً كان)، وإنما حتى بإبداء ملاحظات طفيفة تتعارض مع آراء وأفكار واتجاهات وأداء تلك الرموز، وبالتالي فإن هذا النوع من المثقفين (التروس والدروع) يبدون وكأنهم روحانيون وغيبيون أكثر من كونهم واقعيين وعلمييين كما يدعون.
ربما لم تكن هنالك ضرورة لهذه المقدمة، إلا أنها في الواقع (واجهة احترازية) لما يتوقع أن تؤول إليه التفسيرات المحتفية بتمجيد الرموز على ذلك النحو المشار إليه ضمنها.
على كلٍ، ينبغي هنا التأكيد على أن للدكتور منصور خالد مقارنة بالنخبتين السودانيتين (الباكرة واللاحقة) أثراً ايجابياً قل نظيره على الفضائين السياسي والفكري، لكن هذا لا ينفي أنه يتحمل أقداراً ليست هينة من (باب المسؤولية الأخلاقية) في إنتاج حالتين ذهبتا بالسودان وجنوب السودان إلى حدود تكاد تكون كارثية – أو هي كذلك – إذا ما قسناها بالشواهد الماثلة هنا وهناك.
ولأن منصور، لا يمكنه أن ينفي مسؤوليته الأخلاقية المتصلة بدعم ومؤازرة نظام ديكتاتوري وضع يده على البلاد بقوة وجبروت فأسهم في إيرادها التهلكة الماثلة الآن، حيث أن ما نعاني منه اليوم لم يكن إلاّ بذرة معدلة وراثياً لما ابْتُدِر في نظام مايو من (تمكين وفساد)، حتى أن عبارة شاعت ولا تزال ينسبها البعض إلى (نميري شحصياً)، يلخص فيها فساد نظامة على نحو شعبي مثير (الغِنى غِنى والما غنى……..) إلى آخر العبارة، واللبيب بالسجع يفهم.
ثم إن الرجل ذهب إلى (قرنق) وحركته الشعبية، وقدّم خلاصة ما لديه، ولا يزال يحتفي بذلك، لكن يظل السؤال قائماً: هل يمضي الوضع الراهن في جنوب السودان بعيداً عن خلاصات (قرنق ومنصور) الفكرية؟ ما يعني أنها لم تكن ذات أثر عميق وإلا لما انهارت وانهار معها الجنوب كله بمجرد رحيل الأول وابتعاد الثاني.
للأسف لم تعد هنالك حركة شعبية ولا جنوب، قتل على الهوية والقبيلة، فهل هذا المآل ناجم عن تأثير أفكار (قرنق) وسياقات (منصور)، أم أنهما ظلا يشتغلان على نظريات مجردة بعيدة عن الثورة والجماهير، ما ينفي الادعاء بأنه كان لديهما تأثير عميق (استراتيجي)، وإلا لحال دون ما يحدث الآن، وفي هذا الخضم لا بد أن نشير إلى حيثية (قريبة جداً)، فحين ننظر إلى إثيوبيا نرى أثر ملس زيناوي الإيجابي لا يزال قائماً، وبالتالي فإن توصيفه بالثوري والمفكر والمثقف يبدو متسقاً مع الواقع.
بشكل هادئ وعميق، نريد أن ندير حوارا دون (تابو) الرموز، ومنصور بصفته العامة المؤثرة يبدو مناسباً أكثر من غيره لابتدار هذه المهمة العسيرة.