الطاهر ساتي

نتحصن كلنا


:: ومن أحكام قراقوش، و يبدو أن التاريخ ظلم هذا الحاكم قبل أن يرصد أحكام الآخرين، يحكي أن رجلا قصده شاكيا جاره بتهمة ارتكاب جريمة الزنا مع زوجته حتى حملت منه سفاحا ..فنظر قراقوش إلى محتوى الشكوى ثم فحص حيثياتها وأمر بإحضار الجار الزاني وزوجة الشاكي الزانية، واعترفا بالجريمة.. ويبدو أن هذا الجار كان من ذوي الحصانات، ولذلك حكم قراقوش أن يضاجع الشاكي زوجة الجار حتى تحمل منه سفاحا و(خلاص)..أو هكذا أوجدت محاكم قراقوش تفسيرا للمبدأ العدلي (العين بالعين والسن بالسن)..!!
:: ثم قراقوش ذاته حكم بالقصاص على رجل ارتكب جريمة قتل واعترف بها، ولكن عند تنفيذ الحكم شاء القدر بأن يكون طول حبل المقصلة غير متناسب مع حجم المدان وطوله، حيث كان الحبل قصيرا وضعيفا والمدان سمينا وطويلا .. لم يجد قراقوش حلا لهذا المشكل غير أن يصدر حكما آخر بإعدام شخص آخر جاء به القدر ليشاهد تنفيذ الحكم الصادر على ذاك المدان، فتم إعدام البريء وتبرئة المدان فقط لأن الحبل تناسب مع طول أحدهما ولم يتناسب مع طول الآخر..!!
:: وبمؤتمر صحفي، عقده بالمعهد القضائي يوم الأحد الفائت، يقول مولانا بابكر أحمد قشي، رئيس لجنة إعداد مشروع قانون مفوضية مكافحة الفساد، يقول بالنص : (لا نريد أن نلغي الحصانات بصورة كاملة، ولكن نريد لهذه المفوضية أن تقوم بدورها دون أن تكون هذه الحصانات عائقاً لدورها)..وللأسف، ما لم يكن القصد من الحراك الراهن هو تطبيق أحكام قراقوش بحيث يُحاكم الشاهد البرئ و يبرأ الفاسد المدان من ذوي الحصانة، فإن مفوضية مكافحة الفساد لن تقوم بدورها كاملاً، ولا بنصف دورها، ولا بربع دورها، ما لم يتم إلغاء هذه الحصانات بصورة كاملة وواضحة عبر قانون المفوضية..!!
:: والفصل الرابع من مسودة قانون مكافحة الفساد التي تم إعدادها ثم إلغاؤها، يقول بكل وضوح : (على الرغم من الأحكام المنظمة للحصانات الإجرائية، تخضع الفئات المذكورة أدناه لأحكام قانون المفوضية، وهم : رئيس الجمهورية ونوابه ومساعدوه ومستشاروه والعاملون بالمؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية، أعضاء البرلمان ومجالس الولايات، الوزراء الاتحاديون ووزراء الدولة والولاة والوزراء الولائيون، أعضاء السلطة القضائية والمستشارون بوزارة العدل، العاملون بالوحدات العسكرية بمختلف درجاتهم ورتبهم، رؤساء واعضاء ومدراء الهيئات والمؤسسات والبنوك، و .. و) .. هكذا، بلا استثناء، تجاوزت مسودة القانون العائق المسمى بالحصانة، وأخضعهم جميعاً تحت أحكام القانون ..!!
:: فالحصانة هي أكبر عائق لتنفيذ العدالة في بعض هذا العالم الثالث و الأخير، ورفع جبل إلى ثريا أهون من رفع الحصانة عن مسؤول في عالمنا الثالث والأخير.. ولذلك، عندما يقول مولانا قشي (لا نريد أن نلغي الحصانات)، فهذا يعني (كأنك يا أبوزيد ما غزيت)، أو كما يقول المثل العربي .. يعني بالبلدي المصري : (مافيش فايدة)..يجب أن يتساوى الجميع – الحاكم و المحكوم – أمام قانون المفوضية و سلطات نياباتها وشرطتها ومحاكمها .. وليس من العدل تحصين المسؤول أمام قانون المفوضية بأي نوع من أنواع الحصانة وتجريد المواطن من ذات الحصانة.. (نتحصن كلنا)، أو نتساوى جميعاً أمام القانون المرتقب ..!!