جعفر عباس

كلنا في الهوا سوا


هناك شركة طيران أفريقية ذات سجل (إجرامي) حافل، ولكنها بارعة في التستر على جرائمها، وتسقط لها نحو أربع طائرات سنوياً، وخاصة في الرحلات الداخلية، ولكنها تقول في كل الأحوال إنها كانت خالية من الركاب، وإن أفراد طاقمها نجوا أو إن إصاباتهم كانت طفيفة، ولا يجدي أن تقول لإدارتها «ويل للمطففين».
وتبدأ رحلات هذه الشركة والكابتن يقول – مثلا: حضرات المسافرين نعتذر عن تأخر الرحلة أربعة أيام بسبب عدم توافر الوجبات اللازمة، وسوء الأحوال الجوية وتستغرق رحلتنا إلى واكاسومادودغا (مدينة وهمية) ما بين ساعة إلى ثلاثة ساعات، حسب التساهيل، ونطمئنكم بأن لنا سجل سلامة ممتاز بدرجة أنه ما من إرهابي فكر في السفر معنا، وبالتالي فإن طائراتنا غير معرضة للاختطاف.
وإذا أحسستم بالضيق من صوت المحركات فيرجى إبلاغ المضيفة وسنقوم بإغلاق المحرك المزعج؛ لأن راحتكم فوق كل اعتبار. ونعتذر لعدم تشغيل فيلم أثناء الرحلة؛ لأننا نسينا تسجيل أي مادة من التلفزيون قبل الإقلاع، ولكن هناك طائرة تابعة للخطوط الجوية البريطانية تطير على خط مواز لطائرتنا ويمكنكم مشاهدة ما يدور على شاشاتها عبر نوافذ الجانب الأيمن من الطائرة، كما ننبهكم إلى أن التدخين ممنوع في هذه الطائرة؛ لأنه يربك قائدها لأن الدخان الذي يغطي كابينة الركاب صادر من جهاز الإنذار الذي ينبهنا إلى أن الطائرة تجاوزت حدود السرعة المقررة. سيداتي سادتي نحن على وشك الإقلاع، يرجى ربط أحزمة المقاعد، أما إذا لم يكن هناك حزام في المقعد؛ فيرجى ربط حزام البنطلون، أو الطرحة بطرف المقعد، أما بالنسبة لمن لم يجدوا مقاعد فإن طاقم المضيفات سيعاونونهم على ربط أنفسهم بالحقائب الخاصة بهم. نتمنى لكم رحلة ممتعة وخالية من الهموم.
طبعاً السيناريو أعلاه يبدو وكأنه من إنتاج وإخراج شخص أدمن الأفلام الهندية، ولكن صدقوني أن هناك أكثر من شركة طيران أفريقية واحدة خدماتها أسوأ من أي سيناريو قد يخطر ببالك.. يا جماعة حدث قبل سنوات أن رئيس جمهورية الغابون في غرب أفريقيا، ركب مع العشرات من رعيته طائرة بلا بوصلة نزلت بمعجزة في مطار في بيرو بأمريكا الجنوبية بدون تصريح، لتشجيع فريق الغابون لكرة القدم الذي كان يخوض مباراة في عاصمة بيرو (ليما)، والشاهد هنا أنه حتى الرادارات لا تستطيع رصد طائرات بعض شركات الطيران الأفريقية.
قرأت قبل أيام تقريراً في جريدة تايمز اللندنية يقول إن 50 مليون قطعة من أمتعة الركاب تضيع خلال الرحلات الداخلية لشركات الطيران الأمريكية، و أن نحو 30 بالمائة فقط من تلك الأمتعة تسترد بعد فترة من الزمان.. وفي عيد الأضحى المبارك العام الماضي وصلت مع عائلتي إلى مطار الخرطوم في نفس يوم العيد، ووجدت صالة القدوم ممتلئة بالخلق ومن بينهم العشرات الذين أعرفهم.. خير يا عالم، ما سبب الازدحام؟ قالوا وصلنا قبل العيد بيومين على متن طائرة تابعة لشركة طيران عربية ونأتي إلى المطار يومياً للبحث عن أمتعتنا، وأتى العيد ونحن لا نملك غير الملابس التي وصلنا بها.. وعلمنا أن أمتعتنا وصلت إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور عن طريق الخطأ ويقولون إنها ستصل على دفعات.. وانتهت إجازة العيد وعاد بعضهم إلى مواقع أعمالهم في منطقة الخليج، ومر على الحادث سنة ونيف ومازالوا في انتظار الأمتعة.
صديق سوداني سافر إلى هولندا عن طريق لندن مع شركة طيران أوربية ولم يعثر على أمتعته في مطار هيثرو حيث كان مقرراً أن يقضي نحو عشر ساعات.. أخذته شركة الطيران إلى شارع أوكسفورد في لندن وأدخلته متجراً وقالت له: تفضل اشترِ ما يلزمك من ملابس.. واشترى كل ما يلزمه من ملابس وبعد أن وصل إلى هولندا بيوم واحد اتصلوا به وسلموه الأمتعة الضائعة.. ولم يطالبوه بقيمة الملابس التي تكبدوها.

jafabbas19@gmail.com