رحم الله أخانا عبد الرحمن فرح
فُجعنا بنبأ رحيل كبيرنا وأخينا الحبيب عبد الرحمن فرح، الذي نفتقده ونحن في أمس الحاجة إلى حكمته ورجاحة عقله التي كانت على الدوام تسعفنا عند الحاجة، خاصة عندما يعتكر الجو ببعض المشاحنات التي أصبحت شأناً ملازماً للعمل السياسي الذي بات موبوءاً بمختلف أساليب الكيد والتآمر والغدر.
كان عبد الرحمن في كل خطب جلل يحيط بالمنبر يتحلى بقدرة فائقة على التعاطي الحكيم الذي يحسن فيه استدعاء خبراته المتنوعة في عمله العسكري الطويل والسياسي والأمني في أخطر الأجهزة، بما فيها جهاز الأمن الذي تولى إدارته وكان على الدوام يهدئ من روعنا وغضبنا بصبر بحسن استخدامه عند الشدائد ليضع البلسم الشافي في جرح الأزمة، فتندمل ويتعافى الجسد بأفضل مما كان قبل تفجر المشكلة.
أكثر ما تعلمت من حكمته الصبر على الأزمات وحلها بالتدرج اعتماداً على عنصر الزمن الكفيل بإحداث المتغيرات في مسار الأزمة مهما تعقدت وتشعبت.
مررنا خﻻل مسيرة المنبر – رغم قصرها – بتحديات شتى ومتنوعة، انتقلنا فيها من مرحلة الصدع برؤية المنبر لحل مشكلة الجنوب من خﻻل تيار يجمع كل من التفوا حول فكرة الانفصال التي كانت صادمة أول الأمر للكثيرين، وكانت تجمع وقتها تياراً عريضاً من المؤيدين المنتمين لمختلف القوى السياسية.
عندما صدر قانون الأحزاب الذي ألزمنا بأن نسجل منبر السﻻم العادل حزباً سياسياً، إن كنا نريد أن نباشر العمل السياسي، كان عبد الرحمن من الذين لم يترددوا لحظة في الانحياز للحزب الجديد بالرغم من أنه كان قيادياً في حزب الأمة، بدليل تقلده أحد أهم المناصب (مدير جهاز الأمن في حكومة السيد الصادق المهدي السابقة لقيام نظام الإنقاذ)، وتم اختياره في الحزب الجديد من قبل المؤتمر العام بالإجماع رئيساً لمجلس الشورى وكان قبل ذلك رئيساً للحزب عندما كان المنبر تياراً عريضاً التأم أعضاؤه حول رؤية فصل الشمال من الجنوب، تصحيحاً لمسيرة السودان السياسية، واستدراكاً لخطأ تأريخي زوج القط من الفار بما جعله أتعس زواج في التاريخ الإنساني.. زواج أنتج أطول حرب في التاريخ الحديث، أنهكت السودان وأهلكت الحرث والنسل.
عانى المنبر بعده من صنوف مختلفة من الكيد والتآمر السياسي، كان آخر تجلياته محاوﻻت شق منبر السلام العادل من قبل من مردوا على هذا السلوك الشنيع، وما حدث في “الإنتباهة” من تآمر تم في وضح النهار، وكان الرجل كالطود الأشم، لم يتزحزح ولم يتلجلج، شأنه شأن العملاق الآخر الصادق الصديق الأخ صلاح أبو النجا، فقد وقفا مع الحق رغم الإغراء الذي استخدمت فيه أساليب أعفُّ عن الخوض فيها، سيما وأن مسجل الشركات كان له دور عجيب وغريب، نسأل الله أن يكشفه بعد الثورة التي تشهدها وزارة العدل في هذه الأيام في عهد وزيرها الجديد.
أكثر ما يؤلمني أن يغادرنا أخي الحبيب عبد الرحمن وفي حلقه غصة ان الحق البين لم يعد لأهله وﻻ تزال الإنتباهة بعيدة عن منشئيها، ذلك أن إجراءات التقاضي الطويلة لم تكتمل حتى بعد حكم المحكمة العليا لمصلحة أصحاب الحق، وهذا مما ظللنا نتحدث عنه، ونؤكده مرة بعد مرة أن نظام التقاضي في بلادنا ظالم ظالم ظالم فكم من متظلم يتوفى كما حدث لعبد الرحمن فرح قبل أن يقتص من ظالمه بسبب سنوات التقاضي التي تقتل المتظلمين كمداً، ووالله إني ﻻ أشك لحظة واحدة أن الله سائل القائمين على أمر العدالة يوم يقوم الناس لرب العالمين جراء الظلم الذي يلحق بمن استغاث بهم لينصفوه، فإذا بهم يزيدون من أوجاعه ويفعلون به ما لم يفعل الجناة.. ذلك شأن عبد الرحمن الذي يغادرنا وهو مظلوم مقهور، فبعد المحكمة العليا التي حكمت لنا، ها هي المراجعة تلتهم الشهور التهاماً وقد يمتد الأمر إلى سنوات، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم ارحم عبدك عبد الرحمن وأنزله منازل الصديقين والشهداء واجعل البركة في ذريته وأهله إنك سميع الدعاء.