عبد الجليل سليمان

الخرطوم.. وبشرهم بصفر كبير


(والدنيا بشاير عيد)، يأتي إلينا حزب المؤتمر الوطني بالنذير، إذ قال إنه يتوقع زيادة (عدد) الحقائب الوزارية في حكومة ولاية الخرطوم، وبرَّر ذلك بأنها تمثل العاصمة القومية.

رغم التعذيب المعنوي القاسي الذي يختبئ بين تضاعيف هذا الخبر، إلا أن ثمة (قهقهات) مماثلة تجاوره في مخبأ آخر، فالتبرير الذي دفع الحزب الحاكم لزيادة عدد الوزراء في حكومة الولاية مثير للضحك والسخرية، إذ قال (لأنها تمثل العاصمة القومية)، قالها وكأنه ينتظر (صفقة) داوية من قبل المواطنين على عبقريته التي دفعت بهذا الاكتشاف العظيم الذي ينص بأن (الخرطوم تمثل العاصمة القومية)، وهي بهذه الصفة غير المسبوقة ولا المعهودة لا يمكن إدارتها بطريقة فاعلة وديناميكية إلا بزيادة عدد الوزراء وكأنها بلدية (طوكيو) التي يقطنها (28) مليون نسمة، وتحتشد بآلاف الشركات والمصانع العملاقة ومشاريع إنتاج الطاقة والتكنولوجية الهائلة، ورغم ذلك تديرها بلدية مكونة من (العمدة) يساعده مجلس بلدي بطاقم من ضباط إداريين وهيئة محلفين (قضائية)، وهكذا تدار كل المدن العملاقة التي تتسم بطابع حياة شديد التعقيد.

أما الخرطوم، فتبدو إدارتها إزاء تلك المدن وكأنه (قزقزة تسالي أو شرب ماء)، ولا تحتاج إلى هذا الجيش الجرار من الموظفين الذين يمثلون (عطالة مقنعة) دعك عن جيش موازٍ من الوزراء والمستشارين والمعتمدين والإداريين المُجربين بخارج قسمة ظل يحلم بأن يرتفع ناتجة إلى (الصفر) في السنوات القادمة.

للأسف، لن يبلغ أداء حكومة الولاية هذا (الصفر) في المستقبل المنظور، طالما لا تزال العقليات التي تديرها تعتقد بأنها كلما (ترهل) جسدها التنفيذي كلما اكتسب الطاقة اللازمة التي تمكنه من تسيير وإدارة دولاب العمل بكفاءة واقتدار، فيما يظل العكس صحيحاً، فكلما تم ترشيق الجسد الإداري والتنفيذي تم إنجاز الأمور على نحوٍ أفضل وبكفاءة وبراعة.

بالطبع، عندما نجد مبرراً منطقياً لما نفعله، فإننا سنهرف بحديث يضعنا عاجلاً أم آجلاً في مرمى السخرية والهزوء، لذلك كان الأجدر والأمثل أن يقول الحزب الحاكم أن زيادة عدد الحقائب الوزارية ناجم عن ترضيات سياسية للأحزاب التي شرعنت الانتخابات الأخيرة، عوضاً عن المبرر الفطير الذي دُفع به.

لكن، وبطبيعة الحال، فإنه من الخطأ أن نجعل الصفقات السياسية بين أحزاب تفتقر جل كوادرها إلى الحد الأدني من الكفاءة و(الأخلاقية) تُصادر المفاهيم الإدارية التي يعتمدها العالم كله في مثل هذه الأمور، إلا أن الحزب الحاكم ظل يقع في هذا الخطأ على الدوام، إذ أنه لا يمتلك الإرادة الكافية لتصحيحه، وبالتالي فإن كلفته تتضخم وتتصاعد يوماً بعد يوم، وما الأوضاع الراهنة من معيشة ضنكا وتعليم متدهور وصحف لا تقول (ثمن الحقائق)، وانقطاع شبه مقيم لإمدادات الكهرباء والماء إلاّ نتيجة حتمية لما تغترفه الذهنية الجمعية التي تُساس أمور البلاد وتُدار شؤون البلاد وفقاً لرؤاها.