الطيب مصطفى

العدالة بين وزارة العدل والقضاء


كنتُ قد كتبتُ معلقاً على التشكيل الوزاري الأخير وعلى اختيار بعض الوﻻة مركزاً على الوزارات ذات الخصوصية من خلال الدور الذي يمكن أن يلعبه الوزراء الجدد خلال المرحلة المقبلة في إصلاح ما خرب بفعل فاعل أو جراء الظروف المحيطة بتلك الوزارات، وخصصت وزارة العدل ربما أكثر من غيرها سيما وهي المنوط بها إقامة تلك القيمة العليا في المجتمع والدولة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ثم تأتي بقية القيم الأخﻻقية، فالله هو العدل وتأملوا بربكم الآية (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، فهل يستحق من لا يحبه الله تعالى الرحمة يوم يقوم الناس لرب العالمين وهل يقوم الصراع بين بني البشر إﻻ بين ظالم ومظلوم وهل توعد الله المطففين إلا بالويل والثبور؟.
العدل هو القيمة المطلقة التي أراد الله تعالى ألا يفرق في إقامتها بين مسلم وكافر وبر وفاجر، وكم تهزني وتزلزل كياني آيات قرآنية نزلت على الرسول الكريم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم حين قضى في نزاع بين مسلم ويهودي من خلال بينة توافرت له لمصلحة مسلم اسمه بشير بن إبيرق، فإذا بالقرآن ينزل مصححاً الحكم بعدد من الآيات البينات التي اختتمت بالآية التالية المرعدة المبرقة: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا).
إنه دين الله الحكم العدل سبحانه، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
أقول هذا وأنا أتابع بانبهار ما أجراه الوزير الجديد د. عوض الحسن النور من تعديلات علاجية أرجو أن تتواصل حتى تصل إلى كل مكامن الداء، سيما وأن الرئيس قد أطلق يده لاجتثاث الفساد وها هي التشريعات الكفيلة بشن الحرب على هذا الشر الوبيل تعد من خلال لجنة لا يطول الشك أياً من أعضائها لتنشأ بموجبها مفوضية لمكافحة الفساد.
ليت هذه اللجنة تفيد من التجربة العالمية في استصدار التشريعات التي تضيق الخناق على الفساد، وتسد منافذه مع الرجوع إلى هيئة الشفافية الدولية التي تصنف السودان من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وأثق أننا إن فعلنا ذلك ستتغير صورة السودان في تقارير تلك المنظمة الدولية خلال بضع سنوات .
أقولها والأمل يملأ جوانحي أن الحادبين على الإصلاح ينتظرون من الوكيل الذي تم تعيينه مؤخراً أن يحدث ثورة شاملة في وزارته تنتظم الإدارات المهمة التابعة له تكسر (الشلليات) وتنظف تلك الإدارات والهيئات من أية شبهة للفساد وهل بمقدور فاقد الشيء أن يعطيه؟!
من العجب العجاب أن يعهد منذ سنوات طويلة بإدارة الأراضي إلى وزارة العدل التي ظل مستشاروها يستأثرون بالمناصب العليا ولم يقرر ذلك إلا لحماية إدارة الأراضي من الفساد الذي يستشري في العادة في هذا المرفق الحيوي أكثر من غيره، ولكن فضيحة مكتب الوالي وغيرها كشفت أن الحال من بعضه، سيما بعد أن أطلت لجنة التحلل التي شكلها الوكيل السابق الذي كان ويا للعجب مديراً عاماً للأراضي، فكيف تحقق هذه اللجنة مع من كونها إن ارادت سبر غور بعض التجاوزات في عهده؟!
الشق الثاني من منظومة العدالة يحتاج إلى ثورة شبيهة بالتي يتطلبها الشق الأول، وأعني به (القضاء) وما أدراك ما القضاء، فعندما يكون نظام التقاضي ظالماً فقد أصيب القضاء في مقتل وقد تودع منه وهل من ظلم أكبر من أن يموت المدع (كمداً) خلال السنوات الطوال التي يقضيها بين ردهات المحاكم بدرجاتها المختلفة قبل أن يحصل على حقه وهل من ظلم أكبر من تأخير الحقوق لدرجة أن يتوفى صاحب الحق ثم بربكم من هو الظالم.. أهو المدعى عليه الذي لا يعترف بحق المدعي، ويصر على أن يثبت ذلك بالقضاء أم نظام قضائي يتعمد بسبب إجراءآته العقيمة ظلم أصحاب الحقوق من خلال تأخير اقتضائها؟!
أعلم أننا استنسخنا النظام العلماني الغربي في إجراءآت التقاضي ودرجاته بدلاً من أن نلجأ إلى تراثنا القضائي الأسلامي العريق الذي شهد له التاريخ أنه أوقف الفاروق عمر بن الخطاب بكل قدره مع مدعى عليه مغمور من رعيته وحكم للمدعى عليه كما أوقف الإمام على بن أبي طالب مع المدعى عليه وحكم للآخر ولم تستغرق الدعوى سوى جلسة واحدة.. لم نأخذ من ذلك التراث العظيم ذرة واحدة كما لم نعمل بتراثنا الأهلي السوداني تطاولاً عليه واحتقاراً له فكيف لمن يدرس القانون الانجليزي (العظيم) أن (ينحط) لذلك المستوى (الوضيع) في نظر (الغرادين) من أبناء كلية غردون التي أصبحت فيما بعد جامعة الخرطوم؟ إنه النهزام أو عقدة النقص أمام قضاء (حكامنا) الخواجات بل هو نزوع انهزامي إلى عدم الانعتاق من ربقة التبعية الذليلة فلا شريعة ولا عزة ولا تحرر ولا كرامة مع نظام ظالم ورب الكعبة.
لست أدري ما يستطيع مولانا حيدر دفع الله فعله ليرضي ربه ويتجنب غضبه وبقدم شيئاً يستحق أن يبذل في سبيله فالرجل لا ينقصه العلم فهل بتحلى بارادة النغيير ليكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؟.