جعفر عباس

رد اعتبار الشطة


تعرضت الشطة، التي يسميها أهل الخليج الفلفل الأحمر، لحملة تشهير وإساءة سمعة، حيث راجت شائعات مغرضة بأنها السبب الأساس في قرحة المعدة، ثم أثبتت البحوث الطبية أن المجرم الحقيقي الذي يفتك ببطانة المعدة ويسبب القرحة هو (هليكوباكتر بايلوري)، وقبل أن تتذاكى وتقول: «كنت حاسس أن القرحة تسببها هليكوبترات أمريكية أو إسرائيلية»، ينبغي أن أُدعوك إلى نطق الكلمتين بتأن وتؤدة: هليكوباكتر بايلوري لتكتشف أن ليس للاسم صلة بالهليكوبتر أو اللوري (لاحظ أننا ننطق بعض الأسماء على هوانا، فمثلا الرئيس الأمريكي الأسبق الذي اشتهر بتحرير العبيد اسمه ابراهام لنكون، ولكن 99,9 من ينطقون اسمه لنكولن فقط لأن اللام تظهر في كتابة اسمه بالانجليزية في حين انها تكتب ولا تنطق.. نفس الشيء عن البندقية الأوتوماتيكية الروسية التي نسميها كلاشينكوف والصحيح أن تكون الكاف الأولى واللام التي تليها بالفتح وأن تسبق النون الياء وتكون الشين بالسكون لتصبح كَلاشْنِيكوف، وعندك نايجيريا التي جعلناها نيجيريا بكسر النون بدلا من فتحها).
المهم أن نسبة عالية من البشر تحمل تلك الباكتيريا المسببة للقرحة، ولسبب غير معروف، فإن كثيرين منهم لا يعانون القرحة رغم وجود الهليكوباكتر بايلوري في بطونهم. تماما كما أن ملايين السودانيين وغير السودانيين يحملون فيروس التهاب الكبد سي الذي يسبب اليرقان/ الصفار، من دون أن تظهر عليهم أعراض المرض، وتماما كما أن هناك مصابين بفيروس الإيدز إتش. آي. في. ولكن لا يعانون من آثار المرض ولكنهم قد ينقلونه الى آخرين فتكون القاضية.
أعود إلى الشطة فأُذكر الناس بأنها غنية بالفيتامينات الضرورية، بل إن أكلها بانتظام قد يحصن المعدة ضد القرحة، وبالمناسبة فإن الشطة هي المحصول الرئيسي لإقليم دارفور الذي قد يروح ضحية وعد بلفور (أمريكي هذه المرة)، وشطة دارفور تصلح للغسيل الجاف dry cleaning فإذا تناولتها تصبب العرق من جميع مسام جسمك وسالت كل المواد الصلبة التي كانت تسد أنفك بسبب إصابتك بحساسية الأنف أو نوبة برد/نزلة شُعبية (هذه الكلمة أيضا ينطقها الكثيرون خطأ بفتح الشين فتصبح بذلك هناك نزلة شعبية ونزلة رسمية وأخرى حكومية).
الجديد في موضوع الشطة هذه هو أن دراسة نشرتها مؤخرا مجلة كانسر ريسيرش (أبحاث السرطان) الأمريكية أفادت بأن الشطة وبحكم أنها غنية بمادة كابسايسين (وهي العنصر الحرَّاق) تجعل خلايا سرطان البروستات تدمر نفسها على نحو مبرمج، وهي العملية التي تسمى طبيا apoptosis وبالمناسبة فإن الكابسايسين يستخدم موضعيا لتخفيف الآلام، هو عنصر مهم في معظم المراهم المستخدمة لعلاج آلام العضلات بل حتى الالتهاب الروماتويدي.
بس وأنت تقرأ كل هذا وتتذكر قريبك الذي قال الأطباء إنه يعاني سرطان البروستات، لا تستعجل وتبلغه بأن الشطة ستكون الشفاء الناجع له و(سيبك من خرابيط وتخبيص الدكاترة)، بعبارة أخرى لا تحسب أن أبا الجعافر يفهم في هذه الأمور أكثر من الأطباء.. فكل ما هناك هو أنني قرأت طراطيش كلام عن دور الشطة في التخلص من سرطان البروستات، ولو أصابني ذلك المرض، لا قدر الله، فلن أشتري طن شطة وأهمل زيارة الطبيب، بل سأترك للطبيب مهمة تحديد طريقة العلاج، وبالمناسبة فهناك تقنية جديدة لعلاج ذلك السرطان تتمثل في وضع جسم إشعاعي دقيق في موضع السرطان ويتولى ذلك الجسم محاربة الخلايا السرطانية، ولا أدري ما إذا كانت تلك التقنية قد وصلت إلى المستشفيات العربية أم لا.
ولابد هنا من إزجاء التحية للطبيبين الاستراليين باري مارشال وروبن وارين اللذين جعلا من جسميهما حقل تجارب فابتلعا الباكتيريا المسببة للقرحة، ثم توصلا إلى العلاج الناجع لها.

jafabbas19@gmail.com