تحقيقات وتقارير

تأجيل الحوار.. “الوطني” يلعب في “مربعات” الخصوم

ارتفاع صوت الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر المحامي، في الأجهزة الإعلامية اعتراضاً على ما نقل على لسان عضو آلية (7+7) والأمين العام لأحزاب حكومة الوحدة الوطنية عبود جابر، بإعلان الثاني انطلاقة الحوار الوطني في أكتوبر المقبل، وإشارة الأول لوجود خلافات في الاجتماع الأخير لآلية الحوار (7+7) يتجاوز في محتواه الخلاف حول (الزمان) لتفاصيل أخرى مرتبطة بمسار ومآل الحوار الوطني الذي انطلق قبل ما يزيد عن العام ونصف.
النغمة القديمة
تصريحات الأمين السياسي للشعبي كمال عمر –والذي هو ممثل حزبه في آلية (7+7)- وعودته لخانة (الاعتراض) بعد حوالي عام من مفارقة المسلك المعارض وجنوحه لشن هجمات عنيفة ضد المعارضين منذ اختيار حزبه الانخراط في مسيرة الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، في أعقاب خطاب يناير 2014م المشهور باسم خطاب (الوثبة) لم يكن هو مصدر الاهتمام الأساسي وإنما ارتبط بأمر جديد غير مألوف خلال العام والنصف الماضي بتحدث (الشعبي) لأول مرة وبشكل علني عن خلافات داخل أروقة آلية الحوار.
نجد أن الشعبي بشكل عام وأمينه السياسي كمال عمر بشكل خاص قادا حملة سياسية مضادة لمساعي الأحزاب المنخرطة في الحوار غير المشاركة في الحكومة –التي تعرف بأنها الأحزاب المعارضة- التي قررت مقاطعة الحوار في أعقاب تمسك المؤتمر الوطني الحاكم بإقامة الانتخابات الأخيرة وعدم تأجيلها بقيادة كل من منبر السلام العادل وحركة الإصلاح الآن.
واستضافت دار الشعبي اجتماعات للأحزاب غير المشاركة بالحكومة المنخرطة بالحوار الوطني والتي أعلنت استمرارها في الحوار في اجتماعات موازية لمجموعة الأحزاب غير المشاركة بالحكومة وقرارها بتجميد مشاركتها في الحوار، وفي ذات الوقت فإن الشعبي أصبح رأس الرمح داخل لجنة (7+7) الذي تولى وتصدى وقاوم قرار إقالة وإعفاء واستبدال عضو آلية (7+7) رئيس حزب الحقيقة الفيدرالي فضل السيد شعيب، الذي أصدرته المجموعة المقاطعة في أعقاب قرار حزبه بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة.
دوافع الاعتراض
تلك المعطيات تستوجب البحث عن حيثيات اختيار الشعبي وأمينه السياسي كمال عمر في ارتفاع أصواتهم عالياً بالاحتجاج على مسار الحوار الوطني في هذا التوقيت يفسر بأحد احتمالين أولهما نشوء خلافات جديدة طرأت بين (الشعبي) ورفاقه بالحوار الوطني، أما ثانيهما فهو تراكم خلافات مكتومة ومسكوت عنها لم يتم الإفصاح عنها طيلة الفترة الماضية من قبل الشعبي لمصلحة خلق أجواء إيجابية لعملية الحوار ولكنها بلغت مرحلة بات عصياً على الشعبي الصمت عليها فتزامن انفجارها مع هذا التوقيت.
لخص الأمين السياسي للشعبي كمال عمر في تصريحات لـ(الصيحة) اعتراضاتهم على التأجيل المستمر والمتكرر لعملية الحوار الذي قرر الشعبي الانخراط فيه من أجل حل قضية الحرب وإنهاء أزمة الحريات وإشارته لتأجيل الحوار لمرات مختلفة بمبررات يراها غير مبررة تارة بالانتخابات وبعدها بتنصيب رئيس الجمهورية، ثم تكوين الحكومة ثم حلول شهر رمضان وأخيراً تأجيله لحين انتهاء (شعيرة الحج) مما يعني التئامه في أكتوبر القادم وهو ما اعترض الشعبي عليه.
عند التمعن في تلك التصريحات نجد أنها حملت في جوفها الافتراض الثاني ويظهر ذلك في وصف عمر لأسباب تأجيل الحوار خلال الشهور الماضية بأنها (مبررات غير مبررة) ومن خلالها وضح أن الشعبي غض الطرف عنها والتزم الصمت ولم يبادر للاحتجاج عليها لتقديرات خاصة به وقيادته إلا أن التوجه الجديد بإرجاء انطلاقة الحوار المتوقف عملياً منذ بداية العام الجاري حتى أكتوبر القادم جعلت الأوضاع تتفاقم وتبلغ ذروتها، الأمر الذي استوجب معه ارتفاع الصوت بالاعتراض والاحتجاج.
السيناريو المتوقع
نجد أن عضو آلية (7+7) والأمين العام لأحزاب حكومة الوحدة الوطنية –وهي الأحزاب المشاركة مع المؤتمر الوطني- عبود جابر بأن رئيس الجمهورية، من خلال اجتماعه المرتقب مع آلية (7+7) هو الذي سيتولى تحديد ميقات الحوار واستبعاده في ذات الوقت لحديث ممثل الشعبي في آلية (7+7) بوجود خلافات داخلها، إلا أن التصريحات المنسوبة لممثل الشعبي بالآلية يظهر فعلياً وجود تلك الخلافات.
من المؤكد أن الاعتراضات التي أثارها الأمين السياسي للشعبي كمال عمر وممثل حزبه بآلية (7+7) ودفعه بمقترح يدعو لعقد اجتماع اللجنة التنسيقية العليا للحوار التي تضم رئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الوطني، المشير عمر البشير، والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي، في غضون أسبوعين بغرض استئناف الحوار وإجازة الشخصيات القومية الخمسين ومن بعده انطلاق الحوار في ظل ارتفاع صوته بالاحتجاج ستجد حظها من النظر والاهتمام لتجنب مزيد من الاحتكاكات مع الشعبي ولعدم التشويش على عملية الحوار الوطني.
قد تكون النقطة الوسطى بين الموقفين تتمثل في إحداث قدر من الحراك في ما يتصل بعملية الحوار الوطني خلال الأسابيع القادمة من خلال عقد اجتماع للجنة التنسيق العليا واعتمادها للشخصيات القومية الخمسين، بجانب اتخاذ إجراءات وخطوات تنفيذية تصب في مصلحة (تهيئة الأجواء) وربما انطلاقة فعاليات مصاحبة للحوار بغرض تحريك الجمود الذي لازم عملية الحوار منذ بداية العام على أن تنعقد الجمعية العمومية في أكتوبر القادم.
لكن تبقى الجزئية الأهم هي استبعاد أن تقود المترتبات الحالية أو حتى تطوراتها اللاحقة الشعبي وقياداته على رأسهم أمينه العام د. حسن الترابي، لمفارقة ساحة الحوار الوطني لأن قضية (الحوار) والمشاركة تعد ضمن المسائل الجزئية في سياق حزمته الكلية الإستراتيجية التي تتحرك بخطى حثيثة صوب إعادة تجميع وتوحيد الإسلاميين في السودان استعداداً للمرحلة القادمة.

الصيحة