عبد الجليل سليمان

الكهرباء.. لا مخبأ لعطرٍ بعد عروس


وكأني بوزارة الموارد والكهرباء تتخبط في داجية لا صباح لها، ما يجعلها كلما (انزنقت) تطعن ظل الفيل فلا تقضي عليه ولا على صاحبه، وهذا ما يطلق عليه بصيغة أخرى (حرث في البحر). فقد ظلت الوزارة تبشر المواطنين مُذ كان سد مروي مضغة في رحم (خطتها الاستراتيجية) – كما تسميها – بأن إنتاجه من الكهرباء سيُخرج البلاد كلها (ريفها وحضرها، مدنها وبواديها، سهولها وجبالها وسواحلها) من الظلمات إلى النور، وأسست لتكريس هذا الادعاء شعاراً مسجوعاً ذا جرس ورنين (الرد بالسد)، لكنه لم يكن معبراً عن واقع الحال كونه سُك من أجل الكيد السياسي بالخصوم (المعارضة)، وليس للتعبير التقني الدقيق عن كفاءة السد وطاقته الإنتاجية.
ثم بعد أن أصبح السد واقعاً، ولم ير له أحد ضوءً باهراً، بل تفاقمت أزمة الكهرباء والماء حتى وصلت ذورتها قبيل شهر رمضان وخلاله، فإذا بالوزارة وعوضاً عن أن تعترف بها كخطوة أولى ضرورية لإنجاز حلول لها، تنتج ذات التبريرات الدائرية التي دأبت عليها، ولم يعد أحد يصدقها حتى أمسى حالها متماثلاً مع المثل القديم القائل (لا مخبأ لعطر بعد عروس)، وهذا يضرب للتعبير عن التخبط الذي يصيب الإنسان، والقصة معروفة وروايتها لن تضيف (ربع واط) إلى الأزمة.
واقع الأمر، أن الوزير معتز موسى، لم يستطع أن يُخبئ (ريحة) عجز وزارته، فقد دفع إلى برنامج مؤتمر إذاعي بأسباب (مشلولة) يبرر بها عزم الكهرباء على زيادة التعرفة، وكعادة الحكومة، وضع قبل الشروع في التبرير تلك الديباجة المحفوظة عن ظهر قلب (أصحاب الدخل المحدود خط أحمر)، وكأن بيمين وزارته إحصائيات دقيقة عن مستوى دخل المستهلكين، تستطيع أن تحدد بموجبها من هم أصحاب الدخل المحدود؟ لكن إذا أراد (معتز موسى) أن يحصي الأمر، فعليه أن يتراجع كي يستريح ويريح، لأنه سيجد أن أكثر من 99 بالمائة من مستهلكي الكهرباء نكون أغدقنا عليهم ورفعناهم مقامات سامقة فيما لو وصفناهم بأصحاب الدخل المحدود.
لا مخبأ لعطر بعد (عروس) سد مروي، فإذا بالوزير نفسه، وبعد أن استغرق في (رشنا) بالعطر المروي، يعزي انقطاع الإمداد الكهربائي المتواتر والمستمر إلى قلة حجم الماء في سد مروي، وارتفاع تكاليف تشغيل المحطات الحرارية، وتزايد الطلب على الكهرباء مؤخراً.
ما معنى هذا؟ إن لم يكن بأن هذا المشروع كان فاشلاً، ولم يحقق (ربع الحلم) الذي بشرتنا به الكهرباء، وإلا لما طفق الوزير ينشد بحسرة نشيد (ستيت) فيقول: إن محطة ستيت كانت الأمل المنتظر، وعدم اكتمالها تسبب في الأزمة الراهنة.
بطبيعة الحال، لن يفوت على (السميعة) من ذوي الآذان المرهفة، أن الوزارة تغني ذات النشيد القديم، مع تغيير اسم (مروي) بـ (ستيت)، وكل ذلك من أجل تبرير الزيادة. فلا تفعلي ذلك رجاءً، فما عادت لهذا الشعب جيوب.