في اللَّف والدَّوَران ..!
“الذين يُحاربُون الفَساد يَجب عليهم تَنظيف أنفُسهم أوَّلاً ” .. فلاديمير بوتين ..!
على ذكر أحاديث السادة المسئولين التي ملأت صحف الأمس عن تدابير وآليات مكافحة الفساد – وبمناسبة جدل بعض المسئولين و”غير المسئولين” منهم، حول مظاهر الفساد، في أذرع كثيرة وأجسام شتَّى – أُذكِّركم ونَفْسي بالطُّرفة السياسية إيَّاها! .. والتي تقول إن صبياً سأل والده يوماً عن معنى الفساد، فأجابه بأن استيعاب المعنى قد يصعب عليه وهو في هذه السن، لكنه حاول أن يأخذ بيده إلى بعض الفهم قائلاً “يا بني أنا أنفق على هذا البيت وهذه هي الرأسمالية، وأمكم تدير شئونه وشئوننا فهي إذاً الحكومة، وهي وأنا نرعاك معاً فأنت الشعب، وأخوك الصغير “الحِتَالة”هو المستقبل، والخادمة التي تكسب رزقها من العمل في بيتنا هي القوى الكادحة ..!
في الثلث الأخير من ذات الليلة سمع الصبي بكاء أخيه الصغير الذي بدا منزعجاً من تراكم بعض المواد العضوية على ملابسه الداخلية، ولم تفلح محاولات استدعاء أمه التي كانت تغط في نوم عميق .. وفي طريق عودته إلى غرفته سمع الصبي صوت والده وهو يضحك مع الخادمة .. فأغلق بابه عليه واستلقى على فراشه، ولسان حاله “وَجَدتُها”..!
في صباح اليوم التالي أخبر الصبي والده بأنه – أخيراً – قد فهم المعنى، فالفساد “بحسب درس الليلة الماضية” هو أن تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة، عندما تكون الحكومة نائمة، والشعب مهملاً، والمستقبل غارقاً فى القذارة ..!
والآن ـ “وقد اتَّسع الخرق على الرَّاتِق”! ـ وبعيداً عن جُنوح النكات أو جُنَح السياسيين، هل تتفق معي على أن حكاية مكافحة الفساد لا تحتاج لشحن الأذهان وهندسة الأفكار بقدر ما تحتاج إرادة سياسية قوية وقادرة على تطبيقها؟! .. أرجو أن تتفق معي أيضاً على أن الفساد لا علاقة له بنظام الدولة رأسمالياً كان أم اشتراكياً .. أو بتصنيف الدولة فقيرة كانت أم غنية .. بقي أن تتفق معي أخيراً على أن الأمر برمَّته يرجع إلى ضعف الإرادة الحكومية والقيم الشعبية الوطنية، وبالتالي غياب التوأمة الذكيَّة بين التخطيط الجيد للتنمية الاقتصادية والتجديد الحاذق في برامج التعليم ..!
بكل بساطة وإيجاز إذا أرادت الحكومة فلاحاً في هذا الشأن عليها أن تجتهد في تغيير البعد الرومانسي للمسألة، بمعنى أن لا تتعاطى مع الأمر ـ فعلاً إن وُجد وأقوالاً إن صدَقتْ ـ وكأنه قضية أخلاقية فحسب، بل كارثة تنموية وحاجة اقتصادية شديدة الإلحاح ..!
بعيداً عن هدير التصريحات على الدولة أن تتجه إلى سن القوانين (قانون يقضي بإعلان الأموال والممتلكات للمسئولين الحكوميين وأفراد أسرهم .. قانون يمنح سلطات واسعة لأعضاء دوائر التحقيق في الكشف عن الجرائم .. قانون يسمح بمراقبة التغييرات التي تطرأ على حياة المسئولين وإمكانية الاطلاع على حساباتهم المصرفية) ..!
فضلاً عن بعض الضربات الاستباقية (رفع رواتب الموظفين بالدولة .. تبسيط الإجراءات الإدارية .. تقنين الأسرار التي يملكها الموظف العام .. حوسبة التحصيلات المالية وربطها بشبكات إلكترونية .. تحديد بضعة أشهر ـ وليس بضع سنين! ـ كحد أقصى للانتهاء من التحقيق والإحالة إلى المحاكم في قضايا الفساد) ..!
الأمر كله مرهون – في البدء والمنتهى – بصدق الإرادة السياسية – إن وُجِدَتْ – .. فهل من مُذَّكِر ..؟!
هناك فرق