يوسف عبد المنان

حكومة الخرطوم


انصرف الكتاب والمعلقون عن جوهر سياسات حكومة الخرطوم الجديدة إلى الحديث عن القشور والمظاهر.. كيف جاء الجنرال “حسن صالح” ولماذا اصطحب الفريق “عبد الرحيم” الفريق أول “أبو شنب”، ومن أبقى وزير الصحة “مأمون حميدة” في منصبه مرة أخرى.. ومتى قطع الكاتب الشجاع “حسن إسماعيل” من ضفة المعارضة إلى صف الحكومة وصعد لمرتبة الوزير على ظهر حزب الأمة القيادة الجماعية .. لينال ثمن مغادرة حزب الأمة القومي الذي كان في هامشه مقعداً وثيراً عند الدكتور “الصادق”.. وكيف تكون العلاقة بين الاتحاديين في مجلس الوزراء بين “محمد يوسف الدقير” الذي كان مرشحاً لمنصب اتحادي كبير لولا وجود شقيقه د. “جلال الدقير” في القصر وبين “أسامة حسونة” الذي خاض غمار الانتخابات في دائرة الخرطوم وذاق مرارة الفشل، ولكنه اليوم يقول لسكان الخرطوم.. (رفضتموني نائباً وجيت ليكم وزيراً). تلك هوامش على سطور كتاب حكومة الخرطوم وقد أخذت صحافتنا في السنوات الأخيرة (تقلد) الصحافة المصرية التي تعتبر مدرسة (رديئة) في المنطقة وأكثر منها تقدماً المدرسة اللبنانية، بأبعادها المعلوماتية والمدرسة المغاربية بأبعادها الفلسفية وعمقها المعرفي.. وصحافتنا حينما هرع السفير “عبد المحمود عبد الحليم” لزيارة الشيخ “موسى هلال” زعيم قبيلة المحاميد في شقته بالقاهرة، لم تغص الصحافة في أعماق الحدث وأبعاده.. ولكنها اهتمت (ببجامة) “هلال” ولونها.. ورأسه العاري من العمامة.. وهي ذات الصحافة التي اهتمت بملابس الرجل العسكرية في لقاء “الجنينة” الذي كسر طوق العزلة وأعاد “هلال” لأحضان بيته المؤتمر الوطني مثلما عاد أمس من القاهرة ومعه الوزير السابق “علي مجوك”. وما أن وطأت قدماه تراب الخرطوم كان اتصاله الأول بزعيم عموم الرزيقات “محمود مادبو”.. لذلك الاتصال ولعودة “موسى هلال” قصة.. لكن حكومة الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” تواجه مصاعب وعثرات عديدة وتركة ثقيلة من ديون المشروعات التنموية من حقبة “المتعافي” حتى د. “عبد الرحمن الخضر”، والوالي “عبد الرحيم” شخصية تعتمد على (نفوذها) داخل الدولة.. ويستمد الجنرال “عبد الرحيم” من الرئيس “البشير” أسباب القوة والهيبة وهو صانع قرار حقيقي لا يعصى له أمر في المال وتفتح له خزائن الدولة.. وقد أنفق الرجل في تطوير القوات المسلحة من المال ما أنفق ونهض ببنيات وزارة الدفاع لتصبح واحدة من واجهات البلاد العمرانية الحديثة. وجاء اليوم لولاية هي الأغنى مالياً ولكنها (تعج) بالمشكلات الاجتماعية والسياسية والرياضية.. والخرطوم هي ملعب المعارضة الأول ومصدر الإشعاع والوعي.. وقد خسر المؤتمر الوطني الكثير من أراضيه خلال السنوات الماضية حتى (تذيلت) الخرطوم قائمة الولايات الأقل ولاءً للحزب الحاكم.. ولم يجد الرئيس من خيار إلا أقرب القيادات إليه مودة وحباً وثقة ليجد مهندس (الطيران) نفسه في وضع (الطيران) ولاية أمراضها أعجزت الكثيرين عن علاجها.. وهي مسرح الصراع القادم بين المؤتمر الوطني وأحزاب (أرحل) التي لا تزال تعتقد بأنها قادرة على تعبئة الشارع لإسقاط الخرطوم بغصون (النيم) وحناجر الطلاب. وولاية (يتوافد) عليها يومياً الآلاف من الأطراف التي تسكنها الحروب والصراعات ونقص الخدمات، حتى تحدث الجنرال “عبد الرحيم” نفسه في مجلس شورى حزبه في أول إطلالة له من داخله، عن النازحين الذين يخنقون الخرطوم وآلاف الطلبات لموظفين وموظفات ضاقت بهم ولاياتهم ويبحثون لهم عن وجود في الخرطوم.. ولم يتحدث “عبد الرحيم” عن اللاجئين الأجانب.. ولأن (مركزة) العلاج في الخرطوم وتنامي الجامعات.. ولأن الأحياء التي اجتاحتها جيوش البعوض والذباب بعد أن شهدت أحياء الخرطوم تراكم النفايات والأوساخ في الفترة الماضية.. وقد لطف الله بابن الحسين وأمسكت السماء ماءها هذا الخريف ولم تهطل الأمطار بغزارة حتى اليوم.. ولكن تظل قضية المواصلات العامة وصحة البيئة… وإصلاح الشوارع ونقص المياه في فصل الصيف من القضايا التي لا تُحل فقط (بنفوذ وقوة ظهر) الوالي ولا بثقة الرئيس فيه، ولكنها تحتاج لرؤية ومثابرة وعطاء ومتابعة وصرامة وحسم.. وفي ذات الوقت أن يصبح الوالي رؤوفاً رحيماً حليماً.. بالمساكين والفقراء.. شديداً على المضاربين بقوت الناس.. الشعب يريد والياً يحميه ويذود عنه.