المؤتمر الوطني.. (راسو كبير كرعينو رقاق)

النقد الذاتي الذي وجهه الرئيس لحزبه المؤتمر الوطني في ختام أعمال شورى الحزب، بقوله فيه إنه ضعيف البناء القاعدي، وأن جذور الشجرة التي يتخذها شعاراً له ممدة على سطح الأرض وليست متعمقة أو راسخة في باطن الأرض، وأنه بات يخشى عليه من حال ومصير الاتحاد الاشتراكي، الى آخر ما قاله الرئيس في هذا الصدد.. هذا النقد الذاتي الرئاسي اذا ما حاولنا تجسيد عباراته المنطوقة الى صورة محسوسة ومشاهدة؛ سيبدو لنا هذا الحزب في صورة (كائن) كبير ومتضخم الرأس منتفخ البطن نحيف ورقيق الرجلين، وهي الصورة الكروكية ذاتها التي رسمتها من قبل المخيلة الشعبية لمن يبدو من الناس على هذه الشاكلة بقولها فيه (راسو كبير كرعينو رقاق من ولدو سمو العولاق)، وفي ذات المعنى قال شاعر شعبي ساخر (دعوب السمين الساساق.. راسو كبير كرعينو رقاق.. دعوب السمين أبو جضوم داندرمة ديل عيونك ولا كرضمة.. دعوب السمين بلاع الذمة جضومك تعمل الحمى.. يلا قوم بلا لمة).. الغريبة رغم أن الرئيس لم يخطئ في تشبيه حال حزبه اليوم بحال الاتحاد الاشتراكي سابقاً بل أصاب كبد الحقيقة، إلا أن هذه المقارنة الصحيحة أثارت للعجب ثائرة بعض من لا يزالون على عقيدة حزب مايو الواحد الأوحد الاتحاد الاشتراكي الذي لا شريك له؛ مستنكرين ورافضين هذا التشبيه باعتباره إهانة لحزبهم، وهذه لعمري من أقسى اللطمات التي توجه لحزب المؤتمر الوطني، فإذا كان حتى الاتحاد الاشتراكي وما أدراك ما هو يعتبر تشبيهه به إهانة، فماذا بقي له بعد ذلك.
الحقيقة أن الحال الذي ال آليه حزب المؤتمر الوطني، هو من صنع المؤتمر الوطني نفسه وليس من كيد المتآمرين والطابور الخامس، فهو قد وطن نفسه ووطدها منذ ميلاده على أن يكون حزباً سلطوياً شمولياً وحيداً وواحداً محتكراً لكل شيء، نشأ في كنف السلطة وتربى تحت رعايتها، فصار مجرد حزب حكومة يتكئ على السلطة ويرضع من ثدي الحكومة، بل من الصعب جداً تصور أي دور له بعيداً عن السلطة أو بمعزل عنها حتى غدا مثله مثل أي مصلحة أو وحدة حكومية، وحزب بهذه المواصفات بالضرورة أن يجتذب الى صفوفه الأرزقية والمنتفعين والمتسلقين الباحثين عن المناصب والمال والجاه من جماعة كل سلطة وكل حكومة، وهكذا كان الاتحاد الاشتراكي على عهد نميري والاتحاد الاشتراكي المصري، وحزب التجمع الدستوري الذي كان يرأسه الرئيس التونسي الهارب بن علي، والمؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس اليمني المعزول؛ علي عبد الله صالح، وهلمجرا من أحزاب شمولية قابضة.. واذا صح العزم لتصحيح هذه الصورة الشائهة لحزب (راسو كبير كرعينو رقاق)، يكون أبرز المطلوب في الحوار الوطني المزمع الجدية والمسؤولية والشمول لمختلف الطيف الوطني، والتوافق على مشروع جديد بنظام ديمقراطي حقيقي يسع الجميع.

Exit mobile version