حيدر المكاشفي

المؤتمر الوطني.. (راسو كبير كرعينو رقاق)

النقد الذاتي الذي وجهه الرئيس لحزبه المؤتمر الوطني في ختام أعمال شورى الحزب، بقوله فيه إنه ضعيف البناء القاعدي، وأن جذور الشجرة التي يتخذها شعاراً له ممدة على سطح الأرض وليست متعمقة أو راسخة في باطن الأرض، وأنه بات يخشى عليه من حال ومصير الاتحاد الاشتراكي، الى آخر ما قاله الرئيس في هذا الصدد.. هذا النقد الذاتي الرئاسي اذا ما حاولنا تجسيد عباراته المنطوقة الى صورة محسوسة ومشاهدة؛ سيبدو لنا هذا الحزب في صورة (كائن) كبير ومتضخم الرأس منتفخ البطن نحيف ورقيق الرجلين، وهي الصورة الكروكية ذاتها التي رسمتها من قبل المخيلة الشعبية لمن يبدو من الناس على هذه الشاكلة بقولها فيه (راسو كبير كرعينو رقاق من ولدو سمو العولاق)، وفي ذات المعنى قال شاعر شعبي ساخر (دعوب السمين الساساق.. راسو كبير كرعينو رقاق.. دعوب السمين أبو جضوم داندرمة ديل عيونك ولا كرضمة.. دعوب السمين بلاع الذمة جضومك تعمل الحمى.. يلا قوم بلا لمة).. الغريبة رغم أن الرئيس لم يخطئ في تشبيه حال حزبه اليوم بحال الاتحاد الاشتراكي سابقاً بل أصاب كبد الحقيقة، إلا أن هذه المقارنة الصحيحة أثارت للعجب ثائرة بعض من لا يزالون على عقيدة حزب مايو الواحد الأوحد الاتحاد الاشتراكي الذي لا شريك له؛ مستنكرين ورافضين هذا التشبيه باعتباره إهانة لحزبهم، وهذه لعمري من أقسى اللطمات التي توجه لحزب المؤتمر الوطني، فإذا كان حتى الاتحاد الاشتراكي وما أدراك ما هو يعتبر تشبيهه به إهانة، فماذا بقي له بعد ذلك.
الحقيقة أن الحال الذي ال آليه حزب المؤتمر الوطني، هو من صنع المؤتمر الوطني نفسه وليس من كيد المتآمرين والطابور الخامس، فهو قد وطن نفسه ووطدها منذ ميلاده على أن يكون حزباً سلطوياً شمولياً وحيداً وواحداً محتكراً لكل شيء، نشأ في كنف السلطة وتربى تحت رعايتها، فصار مجرد حزب حكومة يتكئ على السلطة ويرضع من ثدي الحكومة، بل من الصعب جداً تصور أي دور له بعيداً عن السلطة أو بمعزل عنها حتى غدا مثله مثل أي مصلحة أو وحدة حكومية، وحزب بهذه المواصفات بالضرورة أن يجتذب الى صفوفه الأرزقية والمنتفعين والمتسلقين الباحثين عن المناصب والمال والجاه من جماعة كل سلطة وكل حكومة، وهكذا كان الاتحاد الاشتراكي على عهد نميري والاتحاد الاشتراكي المصري، وحزب التجمع الدستوري الذي كان يرأسه الرئيس التونسي الهارب بن علي، والمؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس اليمني المعزول؛ علي عبد الله صالح، وهلمجرا من أحزاب شمولية قابضة.. واذا صح العزم لتصحيح هذه الصورة الشائهة لحزب (راسو كبير كرعينو رقاق)، يكون أبرز المطلوب في الحوار الوطني المزمع الجدية والمسؤولية والشمول لمختلف الطيف الوطني، والتوافق على مشروع جديد بنظام ديمقراطي حقيقي يسع الجميع.

‫2 تعليقات

  1. قد الرئيس للحزب مؤشر لإتجاهات خطيرة
    ……………………………………………
    نادراَ ما يوجه الرئيس انتقاداً او يقبل بإنتقاد لمؤسسات الدولة ولأشخاص نافذين في الحكومة ، كثيرا ما غض الطرف عن تجاوزات إدارية وتصرفات خطيرة كانت تستدعي منه إتخاذ قرارات صارمة تجاه من إرتكبوها ، لعله يتميز بهذه الصفة صفة التروي في إتخاذ القرار او توجيه النقد ، تجنباً للوقوع في الأخطاء اعتقد أنها ميزة للسيد الرئيس ،،،
    أما في إجتماع مجلس الشورى للحزب الحاكم فقد بدأ الرئيس غير ،،،
    أخطر من نقد الرئيس للحزب الحاكم و تناوله في إجتماع مجلس الشورى ايضاً هو تصريحه بأن لا يسمح لأي قبيلة بإمتلاك سيارات الدفع الرباعي (اللاندكروزر) ، او الاسلحة ، في إشارة واضحة الى تنامي قوة ونفوذ القبائل على حساب قوة ونفوذ الأجهزة الأمنية والسياسية والعدلية حيث أضحت القبائل تشكل قوة موازية لقوة أجهزة الدولة الأمنية ، فلو أن الرئيس نفسه او وزير العدل او رئيس القضاء الذي هو أعلى سلطة في البلاد اصدر أمراً مباشرا الآن بإلقاء القبض على قادة قبائل بعينها في دارفور نتيجة جرم ارتكبوه لما تمكن من ذلك لإمتلاك تلك القبائل للأسلحة الثقيلة وعربات الدفع الرباعي ، ظهر ذلك جليا في صراع قبيلتي االرزيقات والمعاليا ، والرزيقات والهبانية ، حيث استخدمت إحدى هذه القبائل قذائف الكاتيوشا والهاون واستخدمت الدوشكا والرشاشات المحمولة على عربات الدفع الرباعي اللاندكروزر ،،،
    ولما قررت الدولة إجراء تحقيق مبدئي عن الأحداث منعت لجان التحقيق من القيام بدورها وتم طردها ، في أكبر تحدٍ للدولة لم يسبق له مثيل ، ولم تجرؤ الأجهزة الأمنية التي هي الأخرى بحاجة الى نقد رئاسي بناء ، لم تجرؤ على استخدام القوة في إلقاء القبض على الجناة والتحقيق معهم كما كانت تفعل في السابق ، لعلمها أن قوة القبائل اضحت اكبر من قوتها ، بل هي نفسها تعتمد بشكل كبير على منسوبي تلك القبائل في حربها ضد التمرد في خطل كبير وخطير على الأمن القومي برمته ،،،
    ثم دلف الى الحزب الحاكم ووجه له انتقاداً لاذعاً كان سيسخر منه قادة المؤتمر الوطني لو أنه جاء من شخص آخر كعادتهم ،،،
    تبين الرئيس حقيقة السلوكيات التي جعلت من الحزب الحاكم تجمعا كبيرا لأصحاب الكفاءة في التملق والتسلق من أجل الوصول الى السلطة ، فتراهم يائسين لا يملكون فعلاً ولا قولا ولا تاثيرا على أدني من تسنم منصباً دستوريا ، فصار النفوذ والقرار بيد من إغتنم منصباً ، لذلك يحتدم الصراع كل ما جاء تشكيل حكومة على المستويين الإتحادي والولائي ، وهو صراع غير مقبول لمن يظن أنه حزب مؤسس على معايير الكفاءة في تقدم الصفوف ، حيث يبرز الى السطح من خلال عمل الحزب ونشاطه السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي قادة متميزون يتم تكليفهم من قاعدة الحزب بمسؤوليات الدولة التنفيذية والتشريعيةوهو ما نعدم تماما في الحزب الحاكم حيث طغى على التشكيلة الأخيرة النفوذ القبلي لفرض اسماء معينة في مناصب دستورية بينما جاء آخرون بإختيار الرئيس لهم وليس بإختيار الحزب الحاكم شمل ذلك جميع الولاة تقريباً وخمس من الوزراء ذوي الكفائات الخاصة كوزير النفط ووزير العدل ووزير التعليم العالي ووزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والملاحظ أن إختيارات الرئيس كانت موفقة أكثر من إختيارات الحزب الحاكم ،،،أليس كذلك ؟؟