طائرات تطير العقل
كانت السيدة الهندية مسافرة بالطائرة من نيودلهي إلى هونغ كونغ عندما طلب منها قائد الطائرة إخلاء المقعد الذي كانت تجلس عليه لأنه يخصه، وجادلته السيدة: كيف يكون لك مقعد خاص بك بين الركاب وأنت الكابتن ومكانك في قمرة القيادة، ثم ان الطائرة فاضية فلماذا لا تختار لنفسك مقعدا في الدرجة الأولى؟ فكان الرد: مو شغلك ومو يخصك. أنا الكابتن وكلمتي ماشية. فما كان من السيدة إلا أن ظلت واقفة على رجليها طوال أكثر من ست ساعات تعبيرًا عن احتجاجها على تلك المعاملة الفظة من «دريول» الطائرة. (بعد نحو ساعتين من الإقلاع جاء الكابتن وجلس في الكرسي الذي أخلته السيدة الهندية وخلع حذاءه ونام، وبعد الهبوط في هونغ كونغ توجهت السيدة إلى المكتب المخصص لشركة الطيران تلك وسجلت شكوى ضد الكابتن، وشهد لصالحها عدد من الركاب، فتم فصله من العمل لاحقا بعد المزيد من التحري والتحقيق).
وقد طيبت تلك الحكاية خاطري، لأنني كنت أعتقد أن الجلافة وقف على أطقم بعض شركات الطيران العربية (بعض وليس جميع) والتي يكشر فيها المضيفون والمضيفات عن الأنياب كلما طلبت منهم شيئًا. وكتبت من قبل عن ركوبي طائرة تابعة لشركة عربية، من مطار هيثرو في لندن، وكنت مدركا لسوء سمعة تلك الشركة، ولكنني لم أجد مقعدا في أي طائرة تتبع لشركة محترمة، واستوجبت الضرورة مغادرتي لندن في ذلك اليوم، وبعد إقلاع الطائرة تسللت روائح التبغ إلى خياشيمي، فتلفتّ لأعرف من هو الراكب الغبي الذي سيتعرض للزجر وربما الرمي خارجا عبر نافذة الطائرة لأنه يمارس أمرا لم تعد اي شركة طيران تسمح به (التدخين)، فإذا بي أفاجأ بأن من يدخن هي كبيرة المضيفات، وتحركت من مقعدي لتوبيخها، وعندما اقتربت منها اكتشفت ان لها شاربا أكبر من شاربي فتراجعت تكتيكيا طلبا للسلامة.
أدركت أن جماعتنا ليسوا وحدهم في مجال عكننة المسافرين عندما اطلعت على سجل طريف لبعض شركات الطيران يؤكد أن قلة الذوق ليست وقفا على شركات عربية تدير أساطيل من طائرات الكارو، ففي شركة طيران أمريكية محلية كان هناك تسجيل يرشد الركاب حول كيفية اتخاذ إجراءات السلامة، جاء فيه: مرحبا بكم.. لربط حزام المقعد أدخل الطرف المعدني في الإبزيم، ثم اسحب طرف الحزام.. يعني حزام الطائرة لا يختلف عن الحزام العادي، (كذا والله كما قرأت في صحيفة أمريكية) وإذا كنت لا تعرف كيفية استخدامه فلا تغادر بيتك إلا في صحبة شخص راشد، وفي حالة انخفاض الضغط داخل الكابينة ستنزل كمامات الأوكسجين من سقف الطائرة، توقف عن الصراخ وضع الكمامة فوق أنفك وفمك، وإذا كان معك طفل ثبت كمامتك أولاً ثم ساعده، وإذا كان معك أكثر من طفل، حدد أيهم تحب أكثر. (أذكرك بأن كل هذا الكلام موجه من شركة الطيران الى الركاب).
وخلال رحلة جوية لطائرة أمريكية في يوم عاصف اهتزت الطائرة وارتجت بشدة وهي تهبط في مطار أماريلو بولاية تكساس، ووسط العويل والضجيج سمع الركاب مساعد الطيار يقول: سيداتي سادتي مرحبا بكم في مطار أماريلو، ونرجو منكم البقاء في مقاعدكم حتى يتمكن الكابتن من دحرجة ما تبقى من الطائرة إلى البوابة المحددة.
ونجحت الطائرة في الهبوط بسلام ووقف الكابتن على رأس السلم مبتسمًا في انتظار أن يهنئه الركاب على مهارته التي أوصلت الطائرة سالمة إلى الأرض، فاقتربت منه امرأة عجوز وسألته: هل كان ذلك هبوطا عاديا أم تم إسقاط الطائرة بصاروخ؟
jafabbas19@gmail.com