د. ياسر محجوب الحسين

ماذا تبقى من سلطة دارفور؟

(1)
حالة يأس مستعصية أصابت ليس أهل دارفور فحسب، بل كل مهتم بمشكلة الإقليم المتطاولة، ذلك عندما سارت الرياح بخبر فض الشرطة السودانية لاشتباكات بالأيدى بين مجموعات دارفورية نخبوية بحضور دبلوماسيين فى احتفال الأسبوع الماضي بالخرطوم..
فقد تحوّل حفل توقيع المرحلة الثانية لمشروعات التنمية بدارفور إلى فوضى عارمة على خلفية خلافات حادة بين أقطاب رئاسة السلطة، مما أدى إلى إلغاء التوقيع لحين تدخل الحكومة التي ظلت متفرجة على الصراع العبثي بين مجموعتي رئيس السلطة تيجاني سيسي وإدريس أبو قردة وزير الصحة والأمين العام لحركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاقية الدوحة قبل انشطارها قبل بضعة أشهر..
فقد اقتحمت مجموعة مكان الاحتفال عنوة لمنع قيامه لأنها ترى أن السلطة الحالية برئاسة السيسي لم تعد لها وضعية قانونية تؤهلها للمضي في تأدية مهامها, فأي خيبات أمل تلكم التي خيمت على أطلال المحاولات المستميتة لرفع أغلال الكارثة التي تجثم على دارفور وأهلها..
هذا الفصل المأساوي تقع مسؤوليته على حكومة الخرطوم دون أن يعفي ذلك النخب الدارفورية المتورطة من المسؤولية.. فالخرطوم تسأل عن افتقاد المناخ القانوني والمؤسسي الذي يمكن المحتجين من تقديم طعن إداري ضد استمرار السلطة في أداء مهامها قبل إعادة تشكيلها.. وتسأل نخب دارفور المتنازعة عن عدم جعل الأسبقية القصوى لاختيار الشركات التي تنافست لنيل عطاءات تنفيذ المشروعات التنموية وليس التنازع حول أمور جدلية، الشأن فيها التحاكم للحوار لا تبادل اللكمات.
(2)
إن لم تصغ الخرطوم لإعلان الاتحاد الأفريقي الأخير عن الحوار بين شركاء الأزمة السودانية مليا، فسيتأكد أن في أذنيها وقراً وصمما مانعا من سماع نواقيس الخطر الماحق.. فالاتحاد سيكون آخر القلاع الخارجية الداعمة للخرطوم وسط خضم المقاطعات والعزل الدولي المتنامي..
بيان الاتحاد الإفريقي حمّل الحكومة السودانية مسؤولية تعطيل الحوار الذي يرعاه الاتحاد بنفسه.. ستخسر الخرطوم كثيرا إن كان البيان الغاضب تعبيرا عن ضيق المحيط الإفريقي باستهانة الحكومة السودانية بدعم الأفارقة السياسي لها ومساندتهم في مسائل كثيرة أبرزها المحكمة الجنائية الدولية.. فلم تعبأ الخرطوم من قبل بنصائح تعلقت بمسألة التعديلات الدستورية وقيام الانتخابات.. لا شك أن موقف الاتحاد الإفريقي يشكل امتحانا عسيرا لوزير الخارجية السوداني الجديد إبراهيم غندور، بل سيكون هذا الموقف شاهدا على ضعف الدبلوماسية السودانية المتكئ على عبثية المشهد السياسي الداخلي ونضوب معين الحلول الذكية.
وإن كان حال الحوار بالداخل سيئا فإن حال الحوار والتفاوض مع حاملي السلاح هو أضل سبيلا، فلا تبدو هناك نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم، رغم أن التفاوض محكوم بقرار مجلس الأمن رقم 2046 تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فليست هناك ضغوط جدية من المجتمع الدولي على طرفي التفاوض، بينما تستحكم الأزمة الإنسانية في مناطق النزاع. كما لا يبدو أن الضغوط التي تمسك بتلابيب الأطراف المتنازغة كافية بالقدر الذي تجبرهما على تقديم التنازلات الضرورية.
(3)
ثمة مياه تجري تحت جسر العلاقات السودانية – الأمريكية ولكن لا أحد يدري أيراد بها خيرا أم شرا.. فقد بحث وزير الخارجية السوداني في الخرطوم الأسبوع الماضي مع المبعوث الأمريكي للسودان القضايا المعلقة بين الطرفين.. فالخرطوم تسعى لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، بجانب رفع العقوبات الاقتصادية.. واشنطن وصفت زيارة موفدها للخرطوم بالنادرة، وأنها تأتي في إطار جهود دبلوماسية لبناء علاقات مع السودانيين.. وواشنطن عينها على بعض المكاسب الاقتصادية دون أن ترفع من سقف التطبيع السياسي عاليا..
فقد ناقش الوفد الأمريكي تأثير العقوبات الأمريكية على سلعة الصمغ العربي الذي يعتبر السودان أكبر منتج له في العالم وذلك خلال لقاءين منفصلين باتحاد أصحاب العمل السوداني، ومجلس الصمغ العربي.. منذ سنوات عديدة وواشنطن تبدي اهتماما بتحسين علاقاتها بالخرطوم دون أن يترجم ذلك عمليا، ومبعوثوها يأتون ويذهبون بيد أن تحسن العلاقات يبقى سرابا تحسبه الخرطوم ماءً حتى إذا جاءته لم تجده شيئا.. قبل ثلاثة أعوام أبدى المبعوث الأمريكي حينها برينستون ليمان مشاعر جزلة وحميمية نادرة تجاه السودان.. صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية واسعة الانتشار أفردت حيزاً معتبراً من صفحاتها، أشارت فيه إلى أن واشنطن تسعى لإصلاح وتحسين علاقاتها بالسودان في ذات الوقت جددت واشنطن بقاء السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، فما الجديد الذي يمكن أن تتمخض عنه تلك المياه التي تجري تحت الجسر؟